بحث حول السياسة النقدية pdf

بحث حول السياسة النقدية pdf

تعد السياسة النقدية في الوقت المعاصر أداة رئيسية من الأدوات الاقتصادية العامة للدولة وقد طرأ على مفهوم السياسة النقدية العديد من التطورات من حيث الوظائف والأهداف بتطور النظريات النقدية وتعقد المشاكل الاقتصادية.

بحث حول السياسة النقدية pdf

ويرجع ظهور السياسة النقدية كمفهوم محدد في أواخر القرن التاسع عشر، إذ اقتصر دور السياسة النقدية بالمحافظة على عرض النقد عند درجة تكفل استقرار الأسعار داخل الاقتصاد الوطني واستمر الوضع على ما هو علية حتى أزمة الكساد العالمي (1929-1933) وعجز السياسة النقدية عن وضع الحلول المناسبة وظهور الفكر الكنزي الذي دعا بضرورة تدخل الدولة من خلال زيادة الإنفاق الحكومي لتحفيز الطلب الكلي داخل الاقتصاد ومعالجة الركود الاقتصادي وتحقيق النمو الاقتصادي المطلوب(١).


وبعد الحرب العالمية الثانية اتجهت بلدان العالم وخاصة النامية منها نحو برامج التنمية الاقتصادية واتجاه الحكومات نحو الاستدانة وظهور مشاكل التنمية الاقتصادية وحدوث اختلالات داخلية وخارجية وما صاحب ذلك من مشاكل اقتصادية استوجبت القيام بالعديد من الإجراءات الاقتصادية وكانت أغلب تلك الإجراءات نقدية بجانب بعض الإجراءات المالية لتحقيق الأهداف الاقتصادية ومعالجة أي مشكلة اقتصادية يمكن أن تواجه الاقتصاد الوطني مما تطلب تطوير أساليب ووسائل وأهداف السياسة النقدية.



اقرأ أيضا: بحث عن التحليل المالي 


مفهوم السياسة النقدية: Monetary Policy Concept


من الطبيعي إن أهمية النقود تبدأ من خلال ممارس السياسة النقدية والتي هي مجال عمله. وإذا ما اتفقنا على العناصر الداخلة في النقود فإن تعريفا محددا لها يعتمد على ما تقوم به من وظائف كونها تلقى القبول العام لأنها وسيط للتبادل ومقياس للقيم ومستودع له أيضا وكوسيلة للمدفوعات الآجلة وعلى هذا الأساس فالتعريف الموجز للنقود هو ’’إن النقود هي كل ما تفعله النقود "money is", "what  money doe"(٢). لقد برزت في الإقتصادات الحديثة عدة مفاهيم حول تعريف النقود والتي تعتمد بدورها على الوظائف التي تؤديها فهناك تعريف بالمعنى الضيق ويرمز له "M1"، وتعريف بالمعنى الواسع ويرمز له "M2"، وتعريف بالمعنى الأوسع أو الإجمالي الذي يرمز له "M3".




لقد كانت النقود عنصرا أستاتكياً محايداً ليس له أثر في المتغيرات الاقتصادية مثل مستويات الأسعار والإنتاج والاستهلاك، ولكن بتطور الفكر الاقتصادي والأحداث الاقتصادية، تغيرت المعتقدات وساد الاقتناع بدورها الفعال في تغير مسار النشاط الاقتصادي وهنا تبرز أهمية السياسة النقدية في اتخاذ العديد من الإجراءات بهدف تنظيم كميتها المتاحة في الاقتصاد الوطني بحيث تتناسب هذه الكمية مع نمو الإنتاج السلعي والخدمي. 


ومما لاشك فيه إن مفهوم السياسة النقدية ومنذ نشأته كمفهوم محدد قد ارتبط بنشأة البنوك المركزية، ويمكن ملاحظة هذا الارتباط من التعريفات المختلفة لتلك السياسة. ولابد من الإشارة إلى إن هناك معنيين معنى ضيق ومعنى واسع فالسياسة بالمفهوم الضيق تعني "الإجراءات التي تستخدمها السلطة النقدية لمراقبة عرض النقد تحقيق أهداف اقتصادية معينة كهدف الاستخدام الكامل". ويقصد بها التوسع والانكماش في النقد المتداول بغية بلوغ أهداف محددةً. وبهذا عرفها الاقتصادي Johnson, Shaw, Brother, Wrightsman, Kent(٣).  


أما السياسة النقدية بالمفهوم الواسع فإن خير تعريف لها هو ما أشار إليه Einzig ويشمل "جميع التنظيمات والإجراءات النقدية والمصرفية لما لها من دور مؤثر في مراقبة النقد المتيسر في النظام الاقتصادي". بصرف النظر عما إذا كانت أهدافها نقدية أو غير نقدية وكذلك جميع الإجراءات غير النقدية التي تهدف إلى التأثير في النظام النقدي وبهذا المعنى تصبح السياسة النقدية شاملة لـ(٤):


  1. جميع التدابير النقدية المتخذة للتأثير في حجم وتكلفة وقيمة النقود بالإضافة إلى أغراض غير نقدية.
  2. جميع التدابير غير النقدية التي تستهدف أغراض نقدية.


ومما تقدم يمكن القول أن السياسة النقدية تشتمل على كل ما يتعلق بالجهاز المصرفي والقطاع غير المصرفي وكذلك القطاع الحكومي وبالتالي فإن الذي بيده أمر تقدير هذه السياسة يصبح في وضع يستطيع فيه التأثير على هذه القطاعات مجتمعة أو منفردة. وعلى الرغم من ذلك فإن مفهوم السياسة النقدية سيبقى فضفاضا وعلى درجة كبيرة من المرونة في شمول ما يستجد على الساحة النقدية بشكل خاص والاقتصادية بشكل عام, ولذلك فإن مفهوم السياسة النقدية يعتمد على درجة التطور الاقتصادي وعلى طبيعة الظرف السائد ويعتمد على أهداف السياسة في لحظة ما.



اقرأ أيضا: بحث عن الأسواق المالية 


أهداف السياسة النقدية:Monetary Policy Targets 


تؤدي السياسة النقدية دوراً مهماً في الاقتصاد ويمكن تلخيص الدور الذي تلعبه هذه السياسة في النظام الاقتصادي بأنه تحقيق النمو والاستقرار الاقتصاديين بصورة مستمرة وعلى مستوى عال من الإنتاج والدخل والاستخدام وتختلف درجة التركيز على هذا الهدف أو ذاك بين البلدان ذات الاقتصادات المتقدمة والنامية.


وتهدف السياسة النقدية في البلدان المتقدمة إلى ما يأتي(٥):


  1. تحقيق مستوى عال من الاستخدام الشامل، والمحافظة على هذا المستوى على أن تؤخذ بنظر الاعتبار عوامل النمو الاقتصادي وما يصاحب ذلك من توسع في مستويات الإنتاج والدخل والاستخدام.
  2. ثبات استقرار الأسعار أي المحافظة على مستويات متدنية من التضخم.
  3. المحافظة على استقرار سعر الصرف الأجنبي للعملة الوطنية في مستوى الاستخدام الشامل.


ويمكن إيجاز هذه الأهداف بعبارة واحدة هي "تحقيق التوازن الداخلي والخارجي للاقتصاد".


أما بالنسبة للبلدان النامية ذات النظم الاقتصادية والنقدية والمصرفية غير المتكاملة النمو فإن السياسة النقدية تستهدف بالإضافة إلى ذلك:


  1. تحقيق نمو اقتصادي حثيث ومتوازن.
  2. تطوير المؤسسات المالية والنقدية والمصرفية على أسس سليمة.


وفي هذا الصدد لابد أن نشير إلى أهداف السياسة النقدية في البلدان العربية فهي كغيرها من بلدان العالم الثالث تتمحور أهداف السياسة الاقتصادية حول التنمية وتعد السياسة النقدية عنصرا مهما في تحقيق ذلك ويمكن حصر أهداف هذه السياسة في ما يلي(٦):


  1. تحقيق الاستقرار النقدي.
  2. ضمان قابلية تحول العملة المحلية إلى عملات أجنبية وبالعكس.
  3. تشجيع النمو الاقتصادي.
  4. المساهمة في إيجاد سوق نقدي ومالي متطور.
  5. دعم السياسة الاقتصادية للدولة.
  6. تحقيق التوازن الداخلي والخارجي.


ويبدو أن معظم أهداف المؤسسات النقدية العربية التي ذكرت في أعلاه هي نفسها الأهداف التي تسعى في تحقيقها للاقتصاد ككل. بل إن بعضا منها يعتبر هدفا نهائيا في حد ذاته مثل النمو الاقتصادي واستقرار الأسعار. 

   

وتستند السياسة النقدية (خاصة غير المباشرة منها) على مجموعة من العلاقات السلوكية القائمة بين ثلاث مجموعات من الأهداف، فتشمل المجموعة الأولى الأهداف النهائية للسياسة النقدية "Final Targets" وهي تغطي مجموعة من الأهداف الاقتصادية الكلية تمتد كلاسيكياً لتشمل المحافظة على الاستقرار النقدي "معدلات متدنية للتضخم" وتحقيق النمو الاقتصادي ووضع معدلات التشغيل "عمالة كاملة" وإعادة توزيع الدخل وغيرها، أما الثانية منها فتشمل الأهداف الوسيطة "Intermediate Targets" وهي تغطي أيضاً مجموعة من الأهداف والمتمثلة بمقياس عرض النقد "نمو النقود" وأسعار الفائدة "الطويلة الأجل" والمحافظة على سعر الصرف، فيما تتضمن الثالثة الأهداف التشغيلية "Operating Targets" فهي تعتمد مجموعة من الأهداف المتمثلة بالقاعدة النقدية واحتياطات البنوك وتعاريفها المختلفة إلى جانب أسعار الفائدة "القصيرة الأجل" وتتوقف فاعلية السياسة النقدية على اختيار الأهداف والأدوات التشغيلية الأقوى تأثيرا في المتغيرات الوسيطة وعلى اختيار الأهداف الوسيطة الأكثر ارتباطاً بالأهداف النهائية، والشكل الأتي يوضح عناصر السياسة النقدية(٧).

                 


أدوات السياسة النقدية: Monetary Policy Tools  

   

وتعني الأسعار والكميات التي تقع تحت التحكم المباشر للسلطة النقدية، مثل عناصر ميزانياتها، وأسعار الخصم، وتقوم السلطة النقدية بإجراء تعديلات في مستويات تلك العناصر وصولا إلى أهدافها النهائية وتتضمن أدوات السياسة النقدية نوعين: 


الاول: يشمل الأدوات المباشرة أو الانتقائية "Direct, Selective"، والذي يستهدف استخدام أنواع محدودة من الائتمان الموجه نحو قطاع معين تسعى السلطة النقدية لتنشيطه كالزراعة والبناء والصناعة او لأحد أغراض الإنفاق، كالبيع بالتقسيط والرهن العقاري وشراء الأسهم في السوق المالية. ومن أمثلتها السقوف النوعية للائتمان وأسعار الفائدة على أنواع معينة من القروض والودائع.

   

ويضم النوع الثاني من الأدوات غير المباشرة الكمية "Indirect, Quantities"، والتي تستهدف تحديد الحجم الكلي للائتمان المتاح دون التأثير عليه نحو تخصيصه باتجاه الاستعمالات المختلفة ومن الأمثلة على تلك، استخدام الاحتياط القانوني، وسعر الخصم، وعمليات السوق المفتوحة والتدخل في سوق الصرف(٨).



أ- الأدوات الكمية (الغير مباشرة) التقليدية: General or Quantitative Tools 


تستعين السلطة النقدية لتنفيذ سياستها النقدية وإدارة شؤون عرض النقد والائتمان كما وتؤثر في الطلب عليه من خلال ثلاث من الوسائل:


  1. سعر الخصم: "Discountrat".
  2. عمليات السوق المفتوحة: "Open Mark Operations".
  3. متطلبات الاحتياطي القانوني:"Reser Requirements".


١- سعر الخصم (سعر إعادة الخصم)

   

هو عبارة عن سعر الفائدة أو الثمن الذي يتقاضاه البنك المركزي مقابل تقديم القروض وخصم الأوراق التجارية خلال المدة القصيرة التي بحوزة البنوك التجارية، إذ لا تستطيع الأخيرة خلق الائتمان أو إعطاء القروض بطريقة مستقلة دون توافر السيولة اللازمة وبالتالي فهي مضطرة للجوء إلى البنك المركزي لإعادة خصم ما لديها من أوراق تجارية وكمبيالات ويستطيع البنك المركزي ومن خلال تحديد وتغيير سعر الخصم أن يؤثر في حجم الائتمان الممنوح فإذا كان الهدف تقييد حجم الائتمان "كأن يكون في فترة الإنعاش الاقتصادي" فإنه يعمد إلى رفع سعر الخصم وبالعكس إذا كان يرغب في زيادة حجم الائتمان "في فترة الكساد الاقتصادي" فانه يعمد إلى تخفيض السعر ويحدث هذا التغيير بالسعر تأثيرات على كمية ووسائل الدفع من جهة وعلى أسعار الفوائد في الاقتصاد الوطني من جهة أخرى(٩).


ويمكن القول بأن سعر الخصم هو وسيلة توجيه للتأثير على أسعار الفوائد وفي حجم الائتمان الممنوح واتجاهات السوق النقدية ولكنها وسيلة ناقصة تحتاج إلى عدة أساليب مكملة لتحقيق فاعلية أكثر وذلك لعدة أسباب(١٠):


  1. إذا كانت لدى البنوك التجارية احتياطيات نقدية فائضة فأنها لن تحتاج للاقتراض من البنوك المركزية ولذلك تصبح أهمية سعر الخصم ضئيلة مهما كانت مرتفعة أو منخفضة. 
  2. لسعر إعادة الخصم أثر ضعيف في وقت الانتعاش بسبب التوقعات المتفائلة التي تسود رجال الأعمال في مثل تلك الظروف ولا أثر له في فترة الكساد الشامل.
  3. لا تأثير لسعر إعادة الخصم على أسعار الفائدة التي تفرضها البنوك التجارية على قروضها، وذلك لان تلك البنوك تقترض من البنك المركزي لغرض تعويض احتياطاتها النقدية التي استنفذتها في قروضها السابقة.
  4. تعتبر البنوك التجارية اللجوء للبنك المركزي للاقتراض علامة ضعف لها وبالتالي فهي تتردد في الاقتراض سواء كان سعر إعادة الخصم منخفضاً أو مرتفعاً.


 

٢- عمليات السوق المفتوحة

   

يقصد بعمليات السوق المفتوحة قيام البنك المركزي ببيع وشراء السندات الحكومية خاصة في السوق النقدية بهدف تقليص وزيادة حجم الاحتياطيات النقدية لدى البنوك التجارية والتأثير على مقدرتها في خلق الائتمان وبالتالي تغيير كمية التداول النقدي بما ينسجم ومستوى النشاط الاقتصادي وتحتاج تلك العمليات إلى سوق نقدية ومالية متطورة ومنتظمة(١١).


وتمارس سياسة السوق المفتوحة تأثيراً معينا على حجم الائتمان عن طريق التغيير في كمية وسائل الدفع "السيولة"، "فعندما يقوم البنك المركزي بشراء أذون الخزانة - كميات من الأوراق التجارية والمالية من السوق النقدية سوف يؤدي إلى زيادة حجم وسائل الدفع بشكل نقد قانوني، وبالتالي زيادة قدرة البنوك التجارية على منح الائتمان نتيجة حصولها على كمية جديدة من النقود القانونية ويمكن تخيل العملية العكسية بنفس المفهوم". ويتم التأثير في حجم الائتمان عن طريق سعر الفائدة "فعندما يقوم البنك المركزي بشراء الأصول الحقيقة، أذون خزانة - أوراق تجارية ومالية من السوق النقدية سوف يزيد من عرض النقود القانونية في سوق النقد والائتمان هذا من شأنه أن يقلل ثمن اقتراضها - "سعر الفائدة" مما يشجع على طلب الائتمان واتساعه على العكس من ذلك عندما يقوم البنك  المركزي بالبيع(١٢).


 إلا أن نجاح هذه السياسة تتوقف بالإضافة إلى إدارة البنك المركزي على حجم وطبيعة السوق النقدية فيجب أن يكون لهذا السوق من الشمول والسعة ما يجعله معبراً بحق عن إمكانيات النقود والائتمان لاقتصاد ما. وان سياسة السوق المفتوحة عادة ما تتبع لتحقيق الأغراض الآتية(١٣):


  1. مساندة سياسة سعر البنك "سعر إعادة الخصم" وجعلها أكثر فاعلية أو تمهد الطريق لتغييرها.
  2. قيام البنك المركزي بشراء الأذونات الحكومية والسندات الحكومية وغيرها من السندات عندما تكون أسعارها منخفضة وإعادة بيعها عندما تكون أسعارها مرتفعة وذلك لمساندة الائتمان الحكومي.
  3. تحقيق الاستقرار في سوق النقود، إذ يستطيع البنك المركزي امتصاص السيولة الفائضة عن طريق بيع السندات أو توفير الأصول السائلة في حالات الضغوط عن طريق شراء السندات.
  4. التأثير في ميزان المدفوعات فعمليات بيع السندات في السوق المفتوحة يترتب عليها أثر انكماشي على الائتمان وهذا يؤدي إلى انخفاض الأسعار المحلية والذي بدوره يتسبب في زيادة الصادرات وتقليص الواردات مما يؤدي إلى تحقيق توازن في ميزان المدفوعات إذا كان هناك عجز فيه.


٣- تغيير نسبة الاحتياطي القانوني


تحتفظ البنوك التجارية باحتياطيات نقدية كنسبة من الودائع لدى البنك المركزي، ويحق للأخير تغيير نسبة الاحتياطيات حسب ما تستهدفه السياسة النقدية ففي كل بلدان العالم يطلب من البنوك التجارية أما بموجب القانون كما في العراق أو بحكم العادة والتقليد كما في بريطانيا، أن تحتفظ بقدر من النقود الحاضرة لدى البنك المركزي لتحقيق السيولة لتلك البنوك(١٤).


وتعتبر أداة نسبة الاحتياطي القانوني من الأدوات الحديثة نسبياً فقد استخدمها البنك المركزي كأداة لتحقيق الرقابة على الائتمان وخاصة في البلدان التي لا يكون فيها سوق النقود سوقا متقدما. فإن هذا السلاح يصبح ملائما للاستخدام فإذا ما أراد البنك المركزي تضييق الائتمان "في حالات التضخم" فإنه يلجأ إلى رفع تلك النسبة من الاحتياطي وبالتالي تقوم البنوك التجارية بدورها في تضييق حجم الائتمان الممنوح عن طريق تقليل حجم القروض والاستثمارات المختلفة في حين تكون هذه الأداة غير فعاله في "حالات الانكماش"، فعلى الرغم من انخفاض نسبة الاحتياطي القانوني الواجب إيداعها لدى البنك المركزي فإن الطلب على القروض لن يكون قويا برغم تخفيض شروط الإقراض (١٥).


خلاصة ما تقدم فإن مدى فعالية الوسائل التقليدية للسياسة النقدية يعتمد على توافر ثلاثة شروط (١٦):


  1. وجود سوق نقدية ومالية منتظمة ومتطورة وواسعة.
  2. ممارسة البنوك التجارية لعمليات سعر إعادة الخصم لدى البنك المركزي على نطاق واسع واعتمادها على ذلك.
  3. احتفاظ البنوك التجارية باحتياطيات نقدية ثابتة لدى البنك المركزي, وعدم وجود احتياطيات نقدية فائضة كبيرة لديها.



ب- الأدوات النوعية (المباشرة): Direct, Selective Tools


تعني الوسائل النوعية ضرورة حصول الموافقة المسبقة للسلطة النقدية المختصة على قيام البنوك التجارية في منح أنواع معينة من القروض وأنواع معينة من الاستثمارات وتمثل هذه الوسائل النوع الثاني من وسائل السياسة النقدية، ويقتصر أثرها على نوعية الائتمان وليس حجمه فهي تعمل على توجيه الائتمان الوجهة المطلوبة، لذلك فهي وسيلة لإعادة تخصيص الموارد بين الاستخدامات المختلفة.وقد تنوعت أشكال وأساليب هذه الوسائل الخاصة بعد أن تنامت الأهداف الاقتصادية للقطر وأصبحت التنمية جزءا لا يتجزأ منها، ولذا فقد استعملت الرقابة النوعية أو ما يسمى بالرقابة الائتمانية  الانتقائية "Selective Credit Controls" لتشجيع أو الحد من الائتمان المصرفي وذلك لغرض تنشيط نشاطات إنتاجية محدودة في الحقول الاقتصادية المعنية، لذا أصبحت هذه الوسائل تحظى بأهمية بالغة جدا في البلدان النامية بصفة خاصة (١٧). 


ومن الوسائل النوعية(١٨):



١- تنظيم الائتمان بالنسبة للمستهلكين


يتمثل هذا النوع من الرقابة على الائتمان بالنسبة للمستهلكين، وذلك من خلال تحقيق الرقابة على نظم التقسيط في شراء السلع الاستهلاكية المعمرة والتي تعتبر أحد الوسائل الهامة للرقابة النوعية على الائتمان، إذ استخدمت أصلاً في الولايات المتحدة. فتحديد حد أدنى من مقدم الثمن ومدة قصوى للسداد تؤدي إلى تقليل الائتمان الخاص بالمستهلكين لتلك السلع "فرفع مقدم الثمن المطلوب وتقصير مدة السداد تدفع باتجاه تخفيض طلب الائتمان لهذا الغرض".


ويلاحظ إن هذه الوسيلة نافعة ومكملة للرقابة على التضخم وتحقيق الاستقرار في الاقتصاد الوطني ولهذه الوسيلة أهمية أكبر في البلدان المتقدمة عنها في النامية ويعود السبب في ذلك إلى تنامي بيع السلع الاستهلاكية المعمرة في الأولى وفقا لنظام التقسيط عنه في الثانية.



٢- تنظيم الاقتراض بضمان السندات عن طريق تحديد هامش الضمان

   

هذا النوع من الرقابة يتم عن طريق تنظيم الائتمان بالسماح للأفراد وخاصة المضاربين منهم بالاقتراض من البنوك بضمان السندات المشتراة سابقا بشرط التقيد بهامش الضمان(١٩).


وتعتبر هذه الوسيلة من الوسائل الفعالة في مجال تحقيق الرقابة على الائتمان للمضاربة دون أن تؤثر في نفس الوقت على مقدار الائتمان المتاح في مجالات النشاط الاقتصادي المنتجة مثل "الصناعة - التجارة - الزراعة ......الخ" وهي وسيلة مهمة أيضا للحد من التضخم.



٣- الرقابة عن طريق إصدار التعليمات

   

تتحقق هذه الرقابة عن طريق التعليمات التي يصدرها البنك المركزي للبنوك التجارية. سواء كانت بصورة شفوية أم بصورة مكتوبة وأحيانا تتخذ شكل رجاء أو إنذار للحد من الائتمان وبالتالي عدم توسع البنوك التجارية في منح القروض.


٤- تحديد حصة الائتمان


يعتبر تحديد وتوزيع حصص الائتمان وسيلة نوعية يتبعها البنك المركزي من أجل الرقابة وتنظم الأغراض التي تمنح من أجلها القروض وتوزيع البنوك التجارية لهذه القروض بدورها. فتحديد حصص الائتمان هو إجراء منطقي يتفق مع نظم التخطيط المركزية. فهو يعمل على توجيه الموارد المالية في الاتجاهات المرغوبة بما يتفق مع السلطة العامة أو أهداف الخطة.


٥- التأثير أو الإغراء الأدبي

   

بموجب هذه الوسيلة يستخدم البنك المركزي نفوذه وسلطته وأساليبه الإدارية نحو إقناع البنوك التجارية والمؤسسات المالية الوسيطة التي يتعامل معها من أجل التعاون مع البنك المركزي لتنفيذ سياساته النقدية سواء أكانت انكماشية أو توسعية.

  

٦- إجراءات مباشرة

   

من أكثر الوسائل النوعية استخداما هي الإجراءات المباشرة التي يتخذها البنك المركزي والتي تأخذ شكل التوجيه المباشر للبنوك التجارية حول منح القروض وسياسات الاستثمار. ونستخدم هذه الإجراءات كبديل أو معاون لسياسة سعر البنك وسياسة السوق المفتوحة.


آثار السياسة النقدية

   

تنتقل آثار السياسة النقدية إلى عدد من القنوات أثر تطبيق إجراءات السلطة النقدية لسياساتها وصولا للأهداف النهائية ويمكن تصور أربع قنوات رئيسية للانتقال وهي "سعر الفائدة - سعر الصرف - أسعار السندات المالية الأخرى - الائتمان المصرفي" وفيما يأتي عرض لتلك القنوات(٢٠).



١- قناة سعر الفائدة


تعتبر قناة سعر الفائدة القناة التقليدية لانتقال أثر السياسة النقدية إلى هدف النمو، فعندما تتبع السلطة النقدية سياسة انكماشية يؤدي إلى "انخفاض عرض النقود" مما يؤدي إلى ارتفاع في سعر الفائدة الاسمي في ظل الفرضية الكنزية لجمود الأسعار في الفترة القصيرة، فإن سعر الفائدة الحقيقي يرتفع مما يرفع تكلفة رأس المال وبالتالي يحد من الطلب على الاستثمار في قطاع الإنتاج ويعيق النمو ويمكن أن نتخيل الحالة العكسية في حالة إتباع السلطة النقدية لسياسة توسعية.


 وفي هذا الشأن يشير تايلور(٢٢) "إلا أن مرونة إنفاق القطاع العائلي بالنسبة لسعر الفائدة الحقيقي مرتفعة نسبياً ولهذا فإن ارتفاع سعر الفائدة الحقيقي يضعف من الطلب على كل من السلع المعمرة والاستثمار في العقارات وغيرها، وبالتالي يحد من الطلب الكلي والذي بدوره يحد من النمو وبالعكس".



٢- قناة سعر الصرف


تؤثر قناة سعر الصرف في الاقتصاد المحلي عن طريق تأثيرها على كلً من حجم التجارة الخارجية والميزان الجاري في ميزان المدفوعات وكذلك من خلال تأثيرها على الاستثمار الخارجي وتدفق رؤوس الأموال بين الاقتصاديين المحلي والخارجي ويحظى سعر الصرف بأهمية خاصة من قبل العديد من البلدان ضمن سياستها النقدية، ففي البلدان النامية يستخدم عدد كبير منها سياسات الصرف ضمن برامجهم الإصلاحية كوسيلة لتنشيط الصادرات وكذلك تستخدم البلدان المتقدمة وعدد من البلدان النامية تلك السياسات إلى جانب سعر الفائدة في محاولات لاستقطاب الاستثمار الأجنبي(٢٣). 


وتعمل قناة سعر الصرف في السياسة النقدية من خلال سعر الفائدة, إذ يؤدي إتباع سياسة انكماشية إلى انخفاض عرض النقود وبالتالي ارتفاع سعر الفائدة الحقيقي في الاقتصاد المحلي لقاء نظيره في الخارج مما سيستقطب رأس المال الأجنبي ويرفع الطلب على العملة المحلية ونتيجة لذلك ترتفع قيمة العملة المحلية مما يؤثر سلبا على الصادرات وبالتالي على وضع الحساب الجاري في ميزان المدفوعات وتنعكس هذه التطورات بدورها على انخفاض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي وركود الاقتصاد المحلي وبالتالي فإن إتباع سياسة انكماشية من طرف السلطة النقدية يكون له أثر غير مرغوب فيه على عملية النمو إذا لم تصاحبها سياسيات أخرى لمعالجة تلك الآثار.


وان الاستخدام المتزايد لسياسة سعر الصرف الذي تبنته العديد من البلدان النامية والمتقدمة، فكان الغرض منها أما الحد من التضخم وحجم الطلب الكلي "مثال على ذلك ما تقوم به تونس-مصر-المغرب" أو لغرض المحافظة على سعر صرف في حدود هامش ثابت "مثال ذلك ما تقوم به فرنسا- بريطانيا- ايطاليا"(٢٤).



٣- قناة أسعار السندات المحلية الأخرى


تمثل هذه القناة وجهة نظر المدرسة النقدية "Monetarism" في تحليل أثر السياسة النقدية على الاقتصاد. وتنتقل أثار هذه السياسة من خلال قناتين رئيسيتين، الأولى تمثل قناة توبن للاستثمار "Tobin’s Q Theory of Investment" والتي تعتمد على ما يسمى بمؤشر توبن للاستثمار "Q"(٢٥)، والثانية قناة أثر الثروة على الاستهلاك.


فبالنسبة للقناة الأولى يؤدي إتباع سياسة نقدية انكماشية إلى انخفاض عرض النقود وبالتالي انخفاض الإنفاق الخاص على الأوراق المالية لأن انخفاض عرض النقود يزيد من نسبة الأوراق المالية ويقلل نسبة الأرصدة النقدية في المحفظة الاستثمارية التي بحوزة الجمهور وكرد فعل لذلك يحاول المتعاملون بالأوراق المالية أن يتخلصوا من تلك الأوراق الزائدة ببيعها في السوق مما يدفع نحو هبوط أسعارها وتنخفض "Q" كنتيجة مباشرة،  لذا يليها انخفاض في حجم الاستثمار ثم في نمو الناتج المحلي الإجمالي. أما بالنسبة للقناة الثانية فينتقل أثر السياسة النقدية من خلال أسعار الأوراق المالية أيضا، إذ يؤدي انخفاض تلك الأوراق "نتيجة انخفاض عرض النقود" إلى انخفاض قيمة الثروة التي بحوزة الجمهور وبما أن الاستهلاك الخاص يرتبط مباشرة بحجم الثروة فإن هذا الانخفاض يؤدي إلى الحد من الاستهلاك ويؤدي هذا الأخير إلى انخفاض النمو في الإنتاج(٢٦).



أقر أيضا: بحث عن الاستثمار


٤- قناة الائتمان المصرفي


 تنتقل أثر هذه القناة من خلال قناتين رئيسيتين أيضا، الأولى قناة الإقراض المصرفي "Bank Lending Channel"، والثانية قناة ميزانيات منشأة الأعمال "Balance Sheet Channel"، ففي الأولى يؤدي الانخفاض في عرض النقود إلى انخفاض حجم الودائع في البنوك وبالتالي انخفاض حجم الائتمان المصرفي الممنوح وهذا من شأنه ان يقلل من الاستثمار ويحد من النمو خاصة إذا ما عرفنا أن عدداً من الشركات " الشركات الصغيرة" تعتمد على بنوك الودائع كمصدر أساسي للاقتراض. 


أما القناة الثانية فهي تعمل من خلال الزيادة في المخاطرة الأدبية والمعنوية وذلك إن انخفاض عرض النقود من شأنه أن يخفض صافي قيمة الشركات والضمانات التي يقدمونها عند الاقتراض، بالإضافة إلى ارتفاع سعر الفائدة الذي يخفض التدفق النقدي لتلك الشركات، مما يزيد من مخاطر إقراضها، وبالتالي يدفع البنوك على عدم تقديم الائتمان المصرفي لها خاصة الصغيرة منها، مما يحد من استثمار القطاع الخاص ونمو الناتج فيه.



لتصفح أو تحميل هذا البحث pdf: أضغط هنا


قائمة المراجع:


١- د. عبد المنعم السيد علي، دراسات في النقود والنظرية النقدية، الطبعة الأولى، مطبعة العاني،  1970، ص 364-365.


٢- د. محمد عبد العزيز عجيمة و د. مدحت محمود العقاد، النقود والبنوك والعلاقات الاقتصادية الدولية، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، 2003، ص 22.


٣- William Barnett, Douglas Fisher, and Apostolos Serletis, “Consumer theory and the Demand for money”, Journal of Economic Literature, xxx, no 4 ( Dec.1992), p.2089.


٤- د. عوض فاضل اسماعيل الدليمي،النقود والبنوك، مطبعة الحكمة للطباعة والنشر، الموصل،1990، ص583.


٥- P.Einzig, Monetary policy: Endsand Means, Harmon sdworth, Midle sex, Penguin Books, 1964, p.50. 


٦- د. عبد المنعم السيد علي، اقتصاديات النقود والمصارف، الطبعة الأولى، الإصدار الثاني، الأكاديمية للنشر، المفرق، المملكة الأردنية الهاشمية، 1999، ص 390.

 

٧- د. علي توفيق الصادق وآخرون، السياسة النقدية في البلدان العربية ( النظرية والتطبيق)، صندوق النقد العربي، معهد السياسات الاقتصادية، مؤسسة أكسبرس للطباعة، العدد الثاني، أبو ظبي، 1996، ص34.


٨- د. محمد الجعفري: تطور السياسة النقدية بين النظرية والتطبيق، مجلة البنوك في الأردن، البنك المركزي الأردني، العدد الثالث، المجلد الثامن عشر، نيسان 1999، ص 8.


٩- د. علي توفيق الصادق وآخرون، السياسة النقدية للبلدان العربية، مصدر سابق، ص37-38.


١٠- للمزيد ينظر: د. مصطفى رشدي شيحة، الاقتصاد النقدي والمصرفي، الدار الجامعية للطباعة والنشر، جامعة الإسكندرية، 1985، ص 245-247.


١١- أ.د. عبد المنعم السيد علي، اقتصاديات النقود والمصارف، مصدر سابق، ص 398.


١٢- د. عوض فاضل إسماعيل الدليمي، النقود والبنوك، مصدر سابق، ص 595.


١٣- د. مصطفى رشدي شيحة، الاقتصاد النقدي والمصرفي، مصدر سابق، ص 249. 


١٤- د. سامي خليل، اقتصاديات النقود والبنوك، الطبعة الأولى، الكتاب الأول، شركة كاظمة للنشر والترجمة والتوزيع، الكويت، يناير، 1982، ص 604.


١٥- د. محمود عبد العزيز عجمية و د. مدحت محمد، النقود والبنوك والعلاقات الاقتصادية الدولية، مصدر سابق، ص 110.


١٦- للمزيد ينظر: د. سامي خليل، النقود والبنوك، مصدر سابق، ص609-615. 


١٧- د. عبد المنعم السيد علي، دراسة في النقد والنظرية النقدية، مصدر سابق، ص 409.


١٨- للمزيد ينظر: د. عبد المنعم السيد علي، دور السياسة النقدية في التنمية الاقتصادية، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، معهد البحوث والدراسات العربية، 1975، ص 131-137.


١٩- د. سامي خليل، النقود والبنوك، مصدر سابق، ص621.


٢٠- يعرف هامش الضمان بأنه النسبة من القيمة السوقية للسندات او انه الفرق بين قيمة القرض "laon value" والقيمة السوقية"market value" بمعنى ان قيمة القرض التي تمنح بضمان السندات تعادل الفرق بين القيمة السوقية للسندات وهامش الضمان.


٢١- Frederic, Michkin, S. "Symposium on the Monetary Transmission Mechanism." Journal of Economic perspectives, Vol.9, No.4 (Fall-1995) pp.3-10.


٢٢- د. علي توفيق الصادق وآخرون، السياسة النقدية في البلدان العربية، مصدر سابق، ص60. 


٢٣- للمزيد ينظر: د. جليل شعبان حمد، أسعار الصرف في الأقطار النامية الأهداف والسياسات، كلية الإدارة والاقتصاد، قسم الاقتصاد، جامعة البصرة، كانون الثاني، 1999، ص 2-4.


٢٤- للمزيد ينظر: نزوكرتشي ومحسن س. خان، الأنظمة النقدية واستهداف تقليل التضخم، مجلة التمويل والتنمية، سبتمبر، 2000، ص 49.


٢٥- يعرف توبن مؤشر "Q" للاستثمار "Tobin,1969" بأنه نسبة القيمة السوقية للشركة مقسوما على تكلفة استبدال رأس المال المادي لديها، ويعكس ارتفاع هذا المؤشر الارتفاع النسبي في سعر أسهم الشركة مقارنة بتكلفة اقتناء آليات جديدة ، مما يدفع باتجاه توسيع وتشجيع الاستثمار. 


٢٦- د. علي توفيق الصادق وآخرون، السياسة النقدية في البلدان العربية، مصدر سابق، ص63.


*- هذه المقالة هي من: تقويم السياسة النقدية في بلدان عربية مختارة، رسالة تقدم بها عباس كاظم جاسم الدغمي، إلى مجلس كلية الإدارة والاقتصاد في جامعة كربلاء وهي جزء من متطلبات نيل درجة الماجستير في العلوم الاقتصادية، ٢٠٠٤.




مكتبة جواد
مكتبة جواد
تعليقات