المدرسة التجريدية: مفهومها، اتجاهاتها، فنانيها
المدرسة التجريدية: إن التجريد والتلخيص في الأشكال هو واقع مؤكد في مجال الفنون، إذ يتضح ذلك من رسوم إنسان الكهوف والفن الأشوري والكتابة المسمارية فضلاً عن الفن الإسلامي الذي يعبر عن الزخارف النباتية والحيوانية، إذ كانت هناك القدرة على تحوير الأشكال وتجريدها من دون مطابقتها مع الواقع، وهذا لا يعني أن مبادئ التجريد في القرن العشرين مطابقة لمبادئ التجريد القـديم. (١)
ويعد الفن التجريدي فنا (لا صوريا) أو (لا موضوعيا) يمثل في حقيقته اتجاها فنيا ظهر في بداية القرن العشرين وتأكد في مدة ما بين الحربين حتى تكرس بعد الحرب العالمية الثانية، وبلغ ذروته في عقد الخمسينات من القرن الماضي. (٢)
واشتق من هذه الحركة اتجاهين:
الأول (التجريدية التعبيرية): والتي تتمثل في أعمال كاندنسكي.
والثاني (التجريدية الهندسية): والتي تمثل في أعمال موندريان.
وعلى ذلك نجد أن التجريد إما أن يقوم على استلهام الجوهر من خلال الشكل الواقعي أو بالانسياق إلى القالب الهندسي من دون الأخذ عن الواقع وعناصر الطبيعة المألوفة، وإن فن الموسيقى والعمارة ليس أقرب إلى روح التجريد، فاللحن لا يحاكي أو يروي لنا الواقع والمبنى المعماري لا يعكس شكلاً من الطبيعة، ولكن مع ذلك كل منها يثير فينا إحساس بشيء ما. (٣)
لقد استهدف كاندنسكي خلق فن نقي تكون فيه الأشكال محتفظة بصفاء مثالي وخلوها من التفاصيل كافة أشبه ما تكون بالرمز والاعتماد بالدرجة الأولى على اللون لخلق كل شيء جميل لذلك يمكن أن نقول أن توجه كاندسكي فضلاً عن فناني التجريدية التعبيرية كان توجه عقلاني يتم التخطيط فيه للموضوع وليس غريزيا. (٤)
حاول كاندسكي بتقصيه عن الشكل واللون أن يعبر عن (الضرورة الداخلية) إذ يتم الاعتماد على الأشكال المجردة وليس على نشأتها في الحقيقة فيخلق منها أشكال أخرى غير موجودة فضلاً عن أن اللون يصبح جزءا غير منفصل عن الشكل فيكون هدف وغاية في الوقت نفسه، وقد استعمل كاندسكي التفكيك المنشوري للألوان والتدرج اللوني. (٥)
فاللون عند كاندسكي قوة إيحائية ذات تأثير حقيقي وفعال ومقدرة في التعبير على الأحاسيس الداخلية، وإن هناك إمكانية للألوان بإصدار أصوات تشبه النغمات الموسيقية، فالألوان عند كاندسكي كالموسيقى تثير المشاعر من دون الرجوع إلى معناها. (٦)
أما موندريان وجماعته فقد قاموا باختزال الأشياء إلى أشكال هندسية قريبة من الواقع، فقد اعتمد موندريان على الأشكال الهندسية المعروفة للناس كالمستطيل والمربع لكي يعبر بها عن أفكاره فضلاً عن الخطوط العمودية والأفقية على اعتبار أن الترابط ما بين عمودي وأفقي يعبر عن الانسجام وقد استمد هذه الفكرة من الديانات القديمة والأفكار، الفيثاغورسية والإغريقية. (٧)
وقد اختزلت الألوان إلى الألوان الأساسية فقط (الأحمر، الأصفر، الأزرق) يضاف إليها الأسود والأبيض والرصاصي فضلاً عن أن خطوطه كانت توحي بالزهد الذي فرضه موندريان على نفسه، وكانت الغاية هـي خلق أنموذج جمالي خالص. (٨)
إن المدرسة التجريدية هي مدرسة عقلانية لأن فنانيها كانوا يخططون للموضوع قبل رسمه، إذ كانت أعمالهم مدروسة ونابعة من وعي فكري وليس غريزي، وكان الاعتماد على العقل هو الغالب في أعمال فناني المدرسة التجريدية. (٩)
اقرأ أيضا: المدرسة الانطباعية
قائمة المراجع:
١- زعابي الزعابي، الفنون عبر العصور، ط١، مكتبة دار العروبة للنشر والتوزيع، الكويت، ١٩٨٩، ص ٢٦٤.
٢- نيوماير، سارة، قصة الفن الحديث، ترجمة: رمسيس يونان، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة، ١٩٦٠، ص ١٣٧.
٣- زعابي الزعابي، ١٩٨٩، مرجع سابق، ص ٢٩٤.
٤- فايلي، الاتجاه التجريدي في الفن التشكيلي، ترجمة: سعيد علوش، مجلة الثقافة الأجنبية، العدد ٢، ١٩٨٨، ص ٥١.
٥- حمادي، عاد محمود، اللعب في الرسم الحديث، أطروحة دكتوراه غير منشورة، كلية الفنون الجميلة، جامعة بابل، ٢٠٠٤، ص ٩٠.
٦- هيت وآخرون، الفن التجريدي (أصله ومعناه)، ت: محمد علي الطائي، ك١، مطبعة اليقظة، بغداد، ١٩٩٨، ص ٢٣.
٧- رغد سلمان خليل الحيالي، أثر التعلم المتحفي الإلكتروني في تحصيل طلبة كلية الفنون الجميلة في مادة تاريخ الفن، رسالة ماجستير، كلية التربية الأساسية، جامعة ديالى، ٢٠١٤، ص ٦٥.
٨- امهز، محمود، الفن التشكيلي المعاصر التصوير (١٨٧٠-١٩٧٠)، د.ط، دار المثلث للتصميم والطباعة، بيروت، لبنان، ١٩٨١، ص ١٤٦.
٩- رغد سلمان خليل الحيالي، ٢٠١٤، مرجع سابق، ص ٦٦.
تعليقات
إرسال تعليق