القائمة الرئيسية

الصفحات

[LastPost] أخر المواضيع

بحث عن الجذور التاريخية لحقوق الإنسان

بحث عن الجذور التاريخية لحقوق الإنسان

لقد حظي موضوع حقوق الإنسان وعلى مر التاريخ باهتمام كبير من قبل الشرائع السماوية  والشرائع الوضعية على حدٍ سواء، الأمر الذي جذب رجال الفكر والفلسفة للاهتمام بهذه الحقوق كونها حقوق لصيقة بشخص الإنسان إذ تحتوي على الحق الأول والأساس إلا وهو حق الإنسان في الحياة وما يرتبط به من حقوق أخرى. 

فهذه الحقوق وجدت مع وجود الإنسان وستبقى ما بقي الإنسان على سطح ألأرض، وبالرغم من كل الجهود المبذولة للاهتمام بالإنسان وحقوقه إلا أننا نجد بأن هذه الحقوق قد انتهكت على مر التاريخ سواء كانت هذه الانتهاكات من قبل الأفراد أم من قبل الدولة. (١)

بحث عن الجذور التاريخية لحقوق الإنسان

تعريف حقوق الإنسان (لغةً) 

   

أن لفظ الحق مستقرٌ وثابتٌ وكثير الاستخدام إذ ورد بمعانٍ كثيرة فالحق في اللغة هو نقيض الباطل (٢): ويقصد به الثابت الذي لا يجوز إنكاره. ومصدره حقه يحقه، والحق هو مفرد الحقوق ومنه قوله تعالى ((ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون)) (٣)، وهو مصدر لـ (حقَّ) بمعنى ثبت ووجب نقول حق الأمر إذا ثبت ووجب ومنه قوله تعالى ((لقد حق القولُ على أكثرهم  فهم لا يؤمنون)) (٤) فكل ما ورد يدور حول معنى الثبوت والوجوب وان كان هناك معانٍ أُخر للحق في اللغة قد يأتي بمعنى اليقين أو العدل (٥)، أو بمعنى النصيب أو المال أو الصدق أو الموت.

 

أما الإنسان في اللغة  فيقصد به البشر للذكر والأنثى ويطلق على أفراد الجنس البشري والإنس ضد الوحشة. (٦)   


تعريف حقوق الإنسان (اصطلاحاً)

   

لتوضيح معنى حقوق الإنسان اصطلاحا لا بد من بيان معنى الحق بشكل عام في الاصطلاح الشرعي والقانوني أولاً وبعد ذلك نبين معنى حقوق الإنسان.


١-  معنى الحق في الاصطلاح الشرعي  والقانوني 


ففي الفقه ألإسلامي نجد أن فقهاء الشريعة المتقدمين لم يضعوا تعريفاً اصطلاحياً محدداً للحق اعتماداً منهم على المعنى اللغوي لكلمة حق، وأن ما ورد عندهم كان قليلاً ولا يبتعد عن التعريف اللغوي فلم يعرفوه إلا نادرا. (٧)


فقد عرف جانب منهم الحق بأنه (ما يستحقه الرجل) (٨) وقد اُنتقد هذا التعريف كونه تعريف يكتنفه الغموض لأتساع نطاقه فلفظ (ما) عام  فهو يشمل الأعيان والمنافع والحقوق (٩) إلا إننا وجدنا بأن هناك وصف جميل للحق ذكره الإمام علي " عليه السلام " يقول فيه ((فالحق أوسع ألأشياء في التواصف وأضيقها في التناصف لا يجري لأحد إلا جرى عليه ولا يجري عليه إلا جرى له)) (١٠) ففي هذا القول وصف لصاحب الحق وما يقابله من التزام، فما يكون حقاً لشخص فهو من جهة أخرى يكون واجباً على الآخرين وهو احترام هذا الحق وعدم المساس به فلكل حق طرفان طرف ايجابي وهو  صاحب الحق وطرف سلبي وهو الذي يقع عليه الالتزام المقابل للحق.

   

إلا أن جانب من الفقهاء المتأخرين قد عرفوا الحق بأنه ((اختصاص يقر به الشرع سلطة أو تكليف)) (١١) وعرفه آخر بأنه ((اختصاص يقر به الشرع سلطة على شيء أو اقتضاء أداء من آخر تحقيقاً لمصلحة معينة)) (١٢) وهذا التعريف قريب من التعريف  السابق. في حين عرفه آخر بأنه ((مركز قانوني - شرعي يبيح لصاحبه نفعه ويفرض على الغير احترامه)). (١٣)

      

أما في القانون فلم تعرف معظم القوانين الحق ومنها القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951المعدل والقانون المدني المصري رقم 131لسنة 1948 والقانون المدني الفرنسي لسنة 1804وإنما تركت الباب مفتوحاً أمام الفقه لبيان معناه  فقد أثار هذا التعريف خلافاً كبيراً بين الفقهاء، ويرجع سبب هذا الخلاف إلى إن الفقهاء اختلفوا فيما بينهم فيما يعد العنصر الجوهري للحق، ففريق عده صاحب الحق، وفريق عدهُ موضوع الحق، فالفريق الأول  أطلق عليه بـ  (المذهب الشخصي) إذ عرف الحق بأنه ((سلطة إرادية يخولها القانون  لشخص من ألأشخاص في نطاق معلوم)) (١٤)، وجوهر الحق وفق هذا المذهب هو الإرادة، إلا أن هذا التعريف تعرض للنقد من قبل الفقه ؛ لكونه يركز على الإرادة وهذا يعني ضرورة وجود ألإرادة لكل من يكتسب حقاً وهذا خلاف ما تأخذ به جميع التشريعات والتي تقر لعديمي التمييز (ألإرادة) حقوقاً، وكذلك فأن مصادر اكتساب الحق ليست جميعها إرادية وإنما هناك مصادر غير إرادية كالعمل غير المشروع وإلاثراء بلا سبب والقانون. (١٥)


في حين ذهب الفريق الثاني والذي يطلق عليه بـ (المذهب الموضوعي) إلى تعريفه بأنه ((مصلحة ذات قيمة مالية يحميها القانون)) (١٦) إذ ركز على موضوع الحق أو الغاية منه فالمصلحة هي الغاية من وجود الحق، وهي  العنصر الجوهري في نظرهم؛ إلا أن هذا التعريف هو الآخر قد تعرض للنقد لأنه عرَفَ الحق بغايته وهناك اختلاف بين جوهر الحق والغاية منه(١٧)، في حين ظهر مذهب ثالث توفيقي يقوم على أساس الجمع بين فكرة القدرة الإرادية والمصلحة.


إلا إن أصحابه اختلفوا في تغليب احد العنصرين على الآخر فالبعض غلب الإرادة والبعض ألآخر غلب المصلحة. وهذا المذهب هو ألآخر تعرض للنقد لأنه لم يتضمن تحديداً لجوهر الحق شأنه في ذلك شأن المذهبين السابقين فجوهر الحق ليس المصلحة ولا القدرة ألإرادية. (١٨)


إلا أن المذهب الحديث عرف الحق بانهُ ((ميزة يمنحها القانون  للشخص وتحميها طرق قانونية فيكون لذلك الشخص بمقتضى تلك الميزة أن يتصرف في مال اقر القانون بالاستئثار به باعتباره مالكاً له أو باعتباره مستحقاً له في ذمة الغير))(١٩)


٢- معنى حقوق الإنسان بشكل عام

           

ليس هناك تعريفاً محدداً لحقوق الإنسان وذلك لسعتِهِ فهو يضمٌ  مجموعةً كبيرةً من الحقوق سواء أكانت مدنية أم سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية لذلك نجد بان المواثيق والمعاهدات الدولية لم تضع تعريفاً محدداً لهذه الحقوق ومن ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فقد اقتصر في ديباجتهِ على التأكيد بان الاعتراف بالكرامة الإنسانية لأعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية هو أساس العدل والسلام، لذا فقد طرح الفقه العديد من التعاريف لتوضيح معناه إذ عرفها آخر بأنها ((دراسة الحقوق الشخصية المعترف بها وطنياً و دولياً التي في ظل حضارة معينة تضمن الجمع بين تأكيد الكرامة الإنسانية وحمايتها من جهة والمحافظة على النظام العام من جهة أخرى)). (٢٠)


وقد عرَفَ بعض الفقهاء العرب حقوق الإنسان بأنها ((مجموعة الحقوق والمطالب الواجبة الوفاء لكل البشر على قدم المساواة دونما تمييز بينهم)) (٢١) وعرفها آخر بأنها ((الحقوق التي يعتقد إن كل البشر ينبغي أن يتمتعوا بها لأنهم آدميون ،وينطبق عليهم الشرط الإنساني، أي إن هذه الحقوق ليست منحة من احد ولا يستأذن فيها من السلطة، وهذه الأخيرة لا تمنحها ولا تمنعها)) (٢٢) ومنهم من عرفها بأنها ((الأمور الواجبة والثابتة  للفرد أو  الجماعة))(٢٣) في حين عرفها آخر بأنها ((مجموعة الحقوق الطبيعية التي يملكها الإنسان واللصيقة بطبيعته والتي تظل موجودة وأن لم يتم ألاعتراف بها، بل أكثر من ذلك حتى ولو انتهكت من قبل سلطة ما)). (٢٤)


في حين عرفتها منظمة ألأمم المتحدة بأنها ((ضمانات قانونية عالمية لحماية ألأفراد والجماعات من إجراءات الحكومات التي تمس الحريات الأساسية والكرامة الإنسانية، ويلزم قانون حقوق الإنسان الحكومات ببعض الأشياء ويمنعها من القيام بأشياء أخرى)) (٢٥) بمعنى أن حقوق الإنسان بنظر المنظمة الدولية تقوم على أساس أنها حقوق أصلية في طبيعة الإنسان والتي بدونها لا يستطيع العيش كإنسان. 

   

الجذور التاريخية لحقوق الإنسان

        

منذ أن وجد الإنسان على ألأرض وجدت معه حقوقه إلا أن الوعي بهذه الحقوق والاعتراف بها ومن ثم التمتع بها لم يأتِ فجأة وإنما مرٌ بمراحل طويلة عبر الزمن وكذلك فإن إقرار هذه الحقوق يختلف من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان تبعاً للتطورات الحضارية التي كانت تعيشها البلدان المختلفة. 

   

واستناداً لذلك فأنه لا يمكن إنكار حقيقة وجود قواعد قانونية تاريخية تتعلق باحترام حقوق الإنسان وتفرض العقوبات على انتهاكها. 


 حقوق الإنسان في حضارة وادي الرافدين


تعد حضارة وادي الرافدين من أقدم الحضارات البشرية وأولها اهتماما بحقوق الإنسان، فقد كان العراقيون في مختلف عصورهم التاريخية سومرية كانت أم أكدية، بابلية أم أشورية يطالبون عاهلهم دوماً باعتباره نائباً للآله بوضع قواعد وتطبيق إجراءات تضمن للجميع الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة وقد وردت كلمة الحرية لأول مرة في نص سومري لأقدم وثيقة عرفها العالم القديم تشير صراحة إلى أهمية حقوق الإنسان وتأكيدها على حريته ورفضها كل ما يناقض ذلك (٢٦). إذ ذهب رأي إلى القول بان القانون والعدالة والحرية من أهم أساسيات الفكر العراقي القديم. (٢٧)

   

فقد عثرت بعثة تنقيب فرنسية تعمل جنوب العراق في عام 1878 على مخطوط طيني مكتوب باللغة السومرية، يضم عدداً من الإصلاحات ألاجتماعية التي وضعها العاهل السومري "أوركا جينا" ((2378 - 2371)) حاكم مدينة لكش في حدود عام 2375 قبل الميلاد وإزالة الظلم والاستغلال الذي كان يقع على الفقراء من الأغنياء والمتنفذين ورجال المعبد.


وقد ورد نص في متن هذه الوثيقة يقول (بيت الفقير صار بجوار بيت الغني) ما يدل على أن العاهل أوركا جينا  كان يرغب بتحقيق المساواة إلى أقصى حد وقد حققها من خلال هذا النص (٢٨)، وقد نصت شريعة أور نمو مؤسس سلالة أور الثالثة السومرية (2113 - 2060 ق.م) على عدد من المواد القانونية التي تعالج حقوق المرأة المتزوجة وغير المتزوجة والمطلقة، ولم تغفل شريعة لبت-عشتار (خامس ملوك سلالة أيسن 1934-1924 ق.م ) عن هذه الحقوق.


إلا أن أهم الشرائع القديمة التي اهتمت بهذه الحقوق هي شريعة حمورابي التي وضعت عام 1700 قبل الميلاد لتكون من أوائل الأنظمة المكونة لمجموعة القوانين في تاريخ البشر وهي تعد من أفضل ألأمثلة المحفوظة لمثل هذه الوثائق (٢٩)، إذ يعرف حمورابي نفسه في مقدمة قانونه بأنه ((الأمير الذي يخاف الله وأن السماء نادته من أجل الشعب ورضائه وليقيم العدل في الأرض ويقتلع جذور الشر وألا شرار حتى لا يضطهد القوي الضعيف)). 


فوضع حمورابي القوانين وفرض العقوبات على من يخرق القانون وقد ركز على السرقة، وإتلاف الممتلكات، وحقوق المرأة وحقوق الطفل، وحقوق العبيد، وتضمن عقوبات لجريمة القتل والإصابات ولا تقبل هذه القوانين الأعذار أو توضيح للأخطاء إذا ما وقعت.  


وقد فُتح البابُ أمام الجميع لرؤية هذه التشريعات من أجل منع التذرع بجهل القوانين كعذر. إلاٌ انه وبالرغم من كل هذه المحاولات إلا إننا نعلم بان الانتهاكات كانت موجودة في تلك العصور وان الشعب كان مقسماً إلى طبقات وهم (الأحرار والعبيد) والحر يتمتع بمنزلة أعلى من العبد وان العبيد يكونون تابعين لسلطة الأحرار وأرادتهم فلهم أن يستبقونهم للعمل أو أن  يتصرفوا بهم بكافة التصرفات فأين هي المساواة وأين هي الحقوق .


حقوق الإنسان في حضارة وادي النيل


لقد مرت الحضارة المصرية القديمة بمراحل عدة مثلت ألأحقاب التي حكمت فيها ألأسر الفرعونية فقد حكمت مصر ثلاثين أسرة فرعونية، إذ يذهب البعض إلى القول بأن مصر الفرعونية هي أول أُمة في التاريخ رفعت شعار حقوق الإنسان وطبقتهُ بصرامة وفي جميع جوانب الحياة (٣٠)،  ويذكر البعض الآخر بان حضارة وادي النيل تعد من الحضارات المدافعة عن حقوق الإنسان  فقد كان للآِله رع آله الشمس الذي حكم مصر وأخضع أهلها لقانون جاء به من السماء يقوم على العدل والحق والصدق وخضع الشعب لهذا القانون  منذ ألأسرة ألأولى إلى ألأسرة السادسة الحاكمة. (٣١)


فأقرت الحضارة الفرعونية حق الإنسان في الحياة وحقوق أخرى  فالمصريين القدماء كانوا قد اعترفوا بحق الإنسان في الحياة وما يتصل به من حقوق حتى إنهم كانوا يؤجلون تنفيذ حكم الإعدام بالمرأة الحامل إلى أن تضع حملها. كذلك لم يسمح المصريون بوأد ألأطفال بالرغم من كونه حقاً من حقوق الآباء في الحضارات ألأخرى. (٣٢)


بالإضافة إلى ذلك فقد كأن للمرأة مركزاً خاصاً متساويا مع الرجل في كافة الحقوق سواء في نطاق ألأسرة أو في الحياة ألاجتماعية (٣٣). إذ تعد ثورة أمنحوتب الرابع (اخناتون) (1352-1338 ق.م) من أهم الثورات التي جاءت لتجسيد معايير حقوق الإنسان في ذلك الوقت إذ دعت إلى السلام والرحمة والتسامح ونبذ الحروب ونشر المساواة بين الناس كما ألغت تقديس ألأسرة الحاكمة فأصبح أفراد العائلة المالكة كسائر أبناء الشعب في المعاملة. (٣٤)


حقوق الإنسان في الشريعة إلا سلامية


لقد جاء الإسلام لينظم الحياة الإنسانية كلها فهو دستور للبشرية جمعاء وللتاريخ كله على مرٌ الزمان، فقد أكد إلاسلام على هذه الحقوق منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من اجل محاربة الظلم والاستبداد والحد من انتهاك كرامة الإنسان إذ نادى بالمساواة ومنع التمييز، ولهذا عدت الشريعة الإسلامية الله سبحانه وتعالى هو مصدر الحقوق. بدليل قوله تعالى ((وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم .....)) (٣٥)  فالحقوق في الشريعة إلاسلامية هي منح من ألله سبحانه وتعالى للبشر تبرز كرامة الإنسان الذي خصه الله تعالى بالتكريم إذ قال عز وجل ((ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ....)). (٣٦)


فأن للشريعة إلا سلامية الدور الكبير في إنضاج وعي الإنسان بحقوقه عبرَ إقرارها لمبادئ تعد ألأساس لأي نظام اجتماعي قانوني بالرغم من إجحاف النظرة الغربية وعدم أنصافها للجهود ألإسلامية في تطوير مفهوم حقوق الإنسان، إلا أننا في الحقيقة لو نظرنا إلى ما توصلت إليه دول الغرب من خلال ألاتفاقات والمواثيق والإعلانات الدولية لحقوق الإنسان فأننا نجد بأنها لم تأتِ بشيء جديد وإنما هو تكرار للمبادئ التي جاءت بها الشريعة إلا سلامية، ولهذا فأنه ليس من الصحيح تمجيد ما توصل إليه الغرب في الوقت الحاضر؛ لأن الفخر يكون للأسبق والشريعة إلاسلامية قد سبقت تلك الدول بزمن بعيد، إذ جاءت الشريعة إلاسلامية في وقت كانت تعيش الأسرة البشرية في ظلمات تحكمها شريعة الغاب إذ بعث الله سبحانه وتعالى محمداً صلى الله عليه واله وسلم ليكون رسولاً ويبلغ الناس دستوره لإنقاذهم من تلك الظلمات قائلاً سبحانهُ ((وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )). (٣٧)


فالشريعة الإسلامية قد نظمت الحقوق والالتزامات إلا إنها لم توزعها على شكل فصول ومواد كما هو موجود في التشريعات الوضعية - وذلك لكي تكون كل صحيفة  من صحفه مخزناً يحوي كافة حاجيات الإنسان في شتى مجالات الحياة من الحقوق والالتزامات والقيم  والأخلاق، مقتصراً على الكليات، مخولاً العقل البشري إرجاع الجزيئات إلى تلك الكليات في ضوء مستلزمات الحياة من المتغيرات والمستجدات (٣٨).  وقد أولت الشريعة إلاسلامية اهتماماً بارزاً بمجموعة من الحقوق التي أُطلقَ عليها (مقاصد الشريعة إلاسلامية) وهي الحق في حماية الدين، والحياة، والعرض، والمال، والعقل. 


فمن ألآيات التي تناولت الحق في حماية الدين، قوله تعالى ((لا أكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي .....)) (٣٩)، أما عن حماية الحق في الحياة فقد  قال تعالى (( ....من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في ألأرضِ فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً....)) (٤٠)، أما عن حماية العرض فقد اهتمت الشريعة ألإسلامية بحق العرض والنسب لأهميته وخطورته لأنه يتعلق بشرف الإنسان وسمعة أسرته فقد قال تعالى ((ولا تقربوا الزنا أنه كأن فاحشة وساء سبيلا)) (٤١) ونص القرآن الكريم كذلك على الحق في حماية المال والملكية فأوجب عدم التعرض للمال وعلى الدولة توفير الحماية له فقد قال تعالى ((يا أيها الذين امنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارةً عن تراض ٍ منكم ....)). (٤٢)


وقد نصت الشريعة ألإسلامية على بقية الحقوق كالحق في المساواة وأساس هذه المساواة هو أن الناس كلهم متساوون في أصل الخلقة والتكوين ومنه قوله تعالى ((ولقد خلقنا الإنسان من سُلالةٍ من طين)) (٤٣) وكذلك فقد نصت الشريعة على التعليم واعتبرته واجب على كل ذكر وأنثى. إضافة إلى اهتمامها بحقوق أخرى كالحق في العمل وغيرها.


حقوق الإنسان في العصر الحديث


لقد ظهر ألاهتمام بحقوق الإنسان في الدول الغربية في القرن الثالث عشر ومن أبرز الوثائق التي صدرت للدفاع عن حقوق الإنسان هو ميثاق العهد ألأعظم المعروف بـ (ألماجنا كارتا) الذي صدر عام 1215 إذ احتوت هذه الوثيقة على ثلاث وستين  مادة كان موضوعها ألأساس هو ضمان حماية حقوق ألإقطاع بوجه الملك ،كذلك نَصٌت على حقوق المدن وحقوق النساء والأرامل وغيرها من الحقوق (٤٤)، وبعد ذلك ظهر عدد من الفلاسفة والمفكرين المدافعين عن حقوق الإنسان كالفيلسوف ألايطالي توماس ( 1224 - 1274 ) ومارتن لوثر ( 1483 - 1546 ) وهو الزعيم البارز لحركة إلا صلاح في ألمانيا. (٤٥)


أما في أواخر العصر الوسيط وبدايات العصر الحديث فقد ظهر مجموعة من الفلاسفة الذين طالبوا باحترام حقوق الإنسان والحد من استغلال رجال الكنيسة، وكان من بين هؤلاء الفيلسوف ألإنكليزي توماس هوبز (1588 - 1679) وجون لوك (1632 - 1704) وأيضا  الفقيه الفرنسي مونتسكيو (1689 - 1755) إضافة إلى جان جاك روسو (1712 - 1778) الذي يعد أباً للثورة الفرنسية في أفكاره عن حقوق الإنسان وبعد ذلك صدر ألإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن عام 1789بعد انتصار الثورة الفرنسية.

          

وبالرغم من كل المحاولات التي بذلت لاحترام حقوق الإنسان إلا أن ألانتهاكات بقيت مستمرة حيث تعد الحرب العالمية ألأولى انتهاكا خطيراً لحقوق الإنسان، والتي  كانت ساحة قتال شارك فيها ما يقارب سبعين مليون مقاتل من ثلاث وثلاثين دولة وراح ضحيتها  عشرة ملايين قتيل وعشرين مليون جريح (٤٦)، وبعد انتهاء الحرب وضع نظام عصبة إلامم المتحدة الذي دخل حيز التنفيذ عام 1920 وأعلن أن أغراض ألعصبه وهي تحقيق التعاون بين إلامم وضمان السلم والأمن الدولي. 


إلا أن العصبه لم توفق أيضا في حل المشكلات والقضاء على ألانتهاكات فسرعان ما نشبت الحرب العالمية الثانية عام 1939م  وما صاحبها من انتهاك لحقوق الإنسان ألأمر الذي جعل المجتمع الدولي يتحرك لإيجاد هيئة دولية، وفي عام 1945م تم التوقيع على ميثاق إلامم المتحدة والذي بموجبه أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة ألإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948م ومنذ ذلك الحين أصبح هذا ألإعلان المعيار الدولي لحقوق الإنسان وقد صنف هذا ألإعلان الحقوق إلى ثلاث فئات هي:


  1. الحقوق المدنية والسياسية وتسمى (الجيل ألأول) وتضم الحق في الحياة، والحرية، والأمن، وعدم التعذيب، والحق في المشاركة السياسية، وحرية الرأي، والتعبير، والتفكير ، والدين وغيرها. 
  2. الحقوق ألاقتصادية والاجتماعية وتسمى (الجيل الثاني) وتضم الحق في التملك، والعمل، والتعليم، والمستوى أللائق في المعيشة، والمأكل، والمأوى،  والرعاية الصحية. 
  3. الحقوق البيئية وتسمى (الجيل الثالث) وتشمل حق العيش في بيئة نظيفة ومصونة من التدمير والحق في التنمية الثقافية والسياسية والاقتصادية. 


وبعد هذا الإعلان توالت ألاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تنص على احترام حقوق الإنسان(٤٧)، إضافة لذلك فلم تكتفِ الدول على إلا قرار باحترام هذه الحقوق المنصوص عليها بالمواثيق الدولية وإنما نصت عليها في الدساتير فقد نصت أغلب دساتير العالم على هذه الحقوق وتوفير الحماية لها وان اختلفت من حيث الأسلوب فنجد بان بعض الدساتير تنصُ على هذه الحقوق عن طريق النص على الالتزام بالحقوق والحريات المنصوص عليها بإعلانات الحقوق ومنها دستور الجمهورية الفرنسية الرابعة  لعام 1946م  والذي أعلن فيه تمسكه بتلك الحقوق التي حددها إعلان الحقوق الفرنسي الصادر عام 1789وكذلك تضمن دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة الصادر عام 1958م في مقدمته تمسك الشعب الفرنسي بحقوق الإنسان التي حددها الإعلان (٤٨)، في حين نجد بان معظم الدساتير الأخرى تنص على هذه الحقوق في صلب دساتيرها فقد أفردت هذه الدساتير أبواباً وفصولاً مستقلة لهذه الحقوق ونظمتها تنظيما دقيقا  كالدستور المصري لعا 1971 والدستور العراقي المؤقت الملغى لعام 1970والدستور الحالي الدائم لعام 2005.



قائمة المراجع:


١- علي حسن محسن الجامعي، مسؤولية الدولة المدنية عن انتهاك حقوق الإنسان، دراسة مقارنة، رسالة ماجستير، جامعة كربلاء، كلية القانون، ٢٠١٤، ص 


٢- ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين بن مكرم، لسان العرب، ج٢، دار المعارف، مصر، دون سنة طبع، ص ٩٦٩.


٣- سورة البقرة آية ٤٢.


٤- سورة يس آية ٧.


٥- إبراهيم مصطفى وآخرون، المعجم الوسيط، دار الدعوة، تركيا، استانبول، ١٩٨٩، ص ١٨٧.


٦- محمد بن أبي بكر الرازي، مختار الصحاح، الهيئة العامة المصرية للكتاب، القاهرة، ١٩٩٧، ص ٢٨.


٧- أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، المجلد الأول، ط١، دار إحياء التراث العربي، بيروت،١٤٠٩ هـ ، ص ١٩٠.


٨- زين العابدين بن نجيم، البحر الرائق، شرح كنز الدقائق، ط١، المطبعة العالمية، القاهرة، دون سنة طبع، ص ١٤٨.


٩- أنظر د. فتحي الدريني، الحق ومدى سلطان الدولة في تقييدهُ، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر، بيروت، ١٩٦٠، ص ٢٥١.


١٠- الشريف الرضي، نهج البلاغة، تحقيق فارس تبريزيان، ط٣، دار الهجرة، قم، ١٩٦٠، ص ٤١٨.


١١- د. مصطفى احمد الزرقا، المدخل إلى نظرية الالتزام العامة، ج٢، ط٤، مطبعة جامعة دمشق،١٩٦٠، ص ١٥.


١٢- د. فتحي الدريني، مصدر سابق، ص ٢٦٠.


١٣- د. مصطفى إبراهيم الزلمي، أصول الفقه في نسيجه الجديد، المكتبة القانونية، بغداد، ٢٠١١، ص ٢٨٢.


١٤- د.توفيق حسن فرج، المدخل للعلوم القانونية، منشأة المعارف، الإسكندرية، ١٩٦٠، ص ٩.


١٥- عبد الباقي البكري، زهير البشير، المدخل لدراسة القانون، المكتبة القانونية، بغداد، ٢٠١١، ص ٢٢٢.


١٦- د.عبد الرزاق أحمد السنهوري، مصادر الحق في الفقه الإسلامي، ط٢، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، ١٩٩٨، ص ٥.


١٧- د. نبيل إبراهيم، د. همام محمد، المدخل لدراسة القانون، نظرية الحق، منشأة المعارف، إلا سكندرية، ٢٠٠٢، ص ١٥-١٦.


١٨- عبد الباقي البكري، زهير البشير، مصدر سابق، ص ٢٢٤. 


١٩- د.عبد الحي حجازي، المدخل لدراسة العلوم القانونية، ج٢، (الحق)، الكويت، ١٩٧٠ ، ص ١٠٩.


٢٠- أشار إلى ذلك  صلاح حسن مطرود، مبادئ وقواعد عامة في حقوق الإنسان وحرياته، بغداد، ٢٠٠٥، ص ٨.


٢١- محمد عبد الملك متوكل، إلا سلام وحقوق الإنسان، مجلة المستقبل وحرياته، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ع ٢١٦، ١٩٩٧، ص ٥.


٢٢- د.فيصل شطناوي، حقوق الإنسان والقانون الدولي، مكتبة الحامد للنشر والتوزيع، عمان، ١٩٩٥، ص ١٢.


٢٣- د.علي محمد الدباس، علي عليان أبو زيد، حقوق الإنسان وحرياته، ط١، دار الثقافة لنشر، عمان، ٢٠٠٩، ص ٢٧.


٢٤- د.محمد سعيد المجذوب، الحريات العامة وحقوق الإنسان، ط١، بدون ذكر اسم الناشر، لبنان، ١٩٨٦، ص ٩.


٢٥- Human Rights, Questions and Answers, United Nations, New York, 1987, p4.


٢٦- د. رياض مهدي عبد الكاظم، الأمم المتحدة وحقوق الإنسان (دراسة حالة العراق ) أطروحة دكتوراه مقدمة إلى كلية العلوم السياسية جامعة النهرين، ٢٠١٢ ، ص ٢٤.


٢٧- د. جواد مطر، د. عبد الأمير ناصر، د. لمياء حسين، حقوق الإنسان بين العولمة وإلاسلام، بيت الحكمة، بغداد، ٢٠٠٩، ص ٢٨.


 ٢٨- د. رياض عزيز هادي، حقوق الإنسان، مكتبة السنهوري، بغداد، دون سنة طبع، ص ٥.


٢٩- د. جواد مطر، د.عبد الأمير، د.لمياء حسين، مصدر سابق، ص ٢٢.


 ٣٠- د.محمود سلام زناتي، حقوق الإنسان في مصر الفرعونية، النسر الذهبي للطباعة، القاهرة، ٢٠٠٣، ص ٧.


٣١- د. رياض عزيز هادي، مصدر سابق، ص ١٠.


٣٢- د.محمود سلام زناتي، مصدر سابق، ص ٤٧-٤٩.


٣٣- د.عيسى بيرم، حقوق الإنسان والحريات العامة، ط١، دار المنهل اللبناني، بيروت، ٢٠٠١، ص ١١٢.


٣٤- د. جواد مطر، د. عبد الأمير، د. لمياس حسين، مصدر سابق، ص ٣٣.


٣٥- سورة المائدة آية: ٤٩.


٣٦- سورة إلا سراء آية: ٧٠. 


٣٧- سورة ألأنبياء آية: ١٠٧.


٣٨- د. مصطفى إبراهيم الزلمي، حقوق الإنسان وضماناتها في الإسلام، ط٢، أربيل، ٢٠١١، ص ٥.


٣٩- سورة البقرة آية: ٢٥٦.


٤٠- سورة المائدة آية: ٣٢.


٤١- سورة إلا سراء آية: ٣٢.


٤٢- سورة النساء آية: ٢٩.


٤٣- سورة المؤمنون آية: ١.


٤٤- للمزيد أنظر د. رياض عزيز، مصدر سابق ، ص ١٧.


٤٥- المصدر نفسه، ص ٢٢.


٤٦- د. صلاح عبد الرحمن، سلافه طارق، حقوق الإنسان بين الامتثال والإكراه، مؤسسة النبراس للطباعة، ٢٠٠٨، ص ٣٧.


٤٧- للمزيد أنظر الاتفاقيات الدولية والإقليمية، العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية سنة ١٩٩٦، وكذلك اتفاقية تحريم إبادة الجنس البشري، واتفاقية جينيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب سنة ١٩٤٩، واتفاقية حقوق الطفل لسنة ١٩٩٠، الاتفاقية ألأوربية لحقوق ألإنسان ١٩٥٠، والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان ١٩٦٩، ومؤتمر بروكسل عام ١٩٧٠، وغيرها.


٤٨- د. حمدي عطية مصطفى، حماية حقوق الإنسان وحرياته العامة الأساسية (دراسة مقارنة)، ط١، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، ،٢٠١٠ ص ١٥١.



reaction:

تعليقات