أبو حيان التوحيدي، مولده ونشأته، شيوخه، فلسفته

أبو حيان التوحيدي، مولده ونشأته، شيوخه، فلسفته

اسمه وكنيته ولقبه: علي بن محمد بن العباس، وعند أبن خلكان، علي بن محمد التوحيدي، وقيل: علي بن محمد بن أحمد بن العباس، والأرجح هو الاسم الأول.

لم يعرف لأبي حيان التوحيدي فيما ورد من روايات ونصوص في مختلف المصادر التاريخية وغيرها ما يفهم منها غير هذه الكنية (أبي حيان)، والتي عرفه الناس، ودرجوا يكنونه بها.


فقد ذكر أبي حيان حادثة في كتابه - أخلاق الوزيرين - يبدو أن لها علاقة بكنيته وقال لي يوماً آخر - أعني أبن عباد - يا أبا حيان من كناك أبا حيان؟، قلت: أجل الناس في زمانه، وأكبرهم في وقته، قال: من هو ويلك ؟ قلت: أنت، قال: ومتى كان ذلك؟ قلت: حين قلت لي: يا أبا حيان، فأضرب عن هذا الحديث وأخذ في غيره على كراهة ظهرت عليه.


ولكنه عندما سُئل هل يعرف أحداً تكنى بهذه الكنية غيره أجاب بنعم: وقال لي يوماً آخر، وهو قائم في حصن داره والجماعة قيام: ... يا أبا حيان هل تعرف فيمن تقدم من يكنى بهذه الكنية؟ قلت: نعم ... فحين انتهيت أنكرت طرفه، وعلمتُ سوء وانتهى الحديث من غير هشاشة منه عليه، ولا هزة ولا أريحة، ... موقع ما رويت عنده بل على اكفهرار الوجه، وبنو الطرف، وقلة التقبل.

أبو حيان التوحيدي


ذكرته المصادر بالتوحيدي لكنها اختلفت في تفسيرها ومعناها، فمنها من قال التوحيدي: بفتح التاء المثناة من فوقها وسكون الواو وكسر الحاء المهملة وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها دال مهملة، ولم أر أحداً ممن وضع كتب الأنساب تعرض الى هذه النسبة، لا السمعاني ولا غيره، لكن يقال: أن أباه كان يبيع التوحيد ببغداد، وهو نوع من التمر بالعراق، وعليه محل بعض من شرح ديوان المتنبي قوله: 


يترشفن من فمي رشفات ... هن فيه أحلى من التوحيد.


والله أعلم بالصواب.


ومنها من يقول: أنه نسب نفسه للتوحيد، كما سمى أبن تومرت أتباعه بالموحدين، كما يسمى صوفية الفلاسفة نفوسهم بأهل الوحدة والاتحادية.


وعلى هذا فأننا نرى التوحيدي لقباً لحقه من أبيه وليس نسباً، إذ لا وجود لقبيلة او قوم تسموا بهذا الاسم. (١)


مولده ونشأته


تعددت الآراء في أصله ونشأته ومولده، فقيل ولد سنة ٣١٠هـ ببغداد، ثم رحل إلى شيراز، وقيل شيرازي الأصل، وقيل نيسابوري، وقيل واسطي، وقيل ولد ٣٢٠هـ، أما السندوبي فحدد ميلاده ۳۱۲هـ في مقدمة المقابسات، لأبوين فقيرين وقيل إن أباه كان تاجرا يبيع نوعا من التمر يعرف باسم "التوحيد"؛ مما جعل المؤرخين يكنونه بالتوحيدي، وعاش طفولة معذبة في صغره فالتجأ إلى التحصيل العلمي، وكان شغفه كبيرا بالمعرفة، وامتهن مهنة الوراقة فوجد نفسه قريبا من الكتب. (٢)


أصله ونسبه


علي بن محمد بن العباس، الشيرازي الأصل، وقيل أصله من نيسابور، البغدادي، الواسطي.


لم تكن المدينة أو القرية التي ينتسب إليها عالم أو أي رجل آخر دليلاً على قوميته أو جنسه، فنجد كثير من العلماء والشخصيات العربية ممن لقب ونُسب إلى مدن غير عربية.


ومن المصادر التي حسمت أصله، كتاب معجم الأدباء لياقوت لياقوت الحموي حيث سماه بالفارسي صراحة، وعمدة لبني ساسان.


وفي مقابلة أبي حيان لأبن عباد سأله قال: فقال لي: أبو حيان ينصرف أو لا؟ قلت: إن قبله مولانا لا ينصرف، فلما سمع هذا تنمر وكأنه لم يعجبه، وأقبل على واحد الى جانبه فقال له بالفارسية سفهاً، على ما فسر لي. (٣)


نشأته وأسرته وحرفته


لم نجد في تراجم أبي حيان شيء عن أسرته سوى من يقول أن أباه كان يبيع التمر في بغداد.


أما هو فقدم أشارة بسيطة عن هذا الجانب من حياته حيث يقول: ... أني فقدت ولداً نجيباً ...، ولم يتحدث عن أسرته أو زوجته أو أبنائه.


كانت حرفة أبي حيان الوراقة، والتي كان يذمها ولا يحبها بسبب كساد هذه الصنعة، فكان ينعتها بخرزة الشؤم، إذ قال: إنما توجهت الى هذا الباب - يعني ابن عباد - وزاحمت منتجعي هذا الربع، لأتخلص من خرزة الشؤم، فان الوراقة لم تكن ببغداد كاسدة. (٤)


شيوخه


أخذ أبو حيان علومه على يد علماء عصره؛ فأخذ النحو وعلم الكلام والمنطق والزهد من أبي سعيد السيرافي، وعلي ابن عيسى الرماني، وأبي سليمان نحو التوحيدي ومصطلحاته المنطقي الذي كان يعد من أكبر علماء بغداد في عصر أبي حيان في المنطق والحكمة، والفلسفة من المروروذي، ويحيى بن عدي، وغيرهم. (٥)


فلسفة التوحيدي


يؤكد الدكتور إبراهيم الكيلاني أن من يتدبر نفسية التوحيدي ويطلع على آرائه الأدبية وأفكاره الفلسفية يظهر له انعكاس آراء السيرافي وأفكاره في عقلية تلميذه، ويندر أن نجد أستاذا ومريدا تشابها في الفكر والعاطفة، كما هي الحال بين التوحيدي وأستاذه السيرافي. 


ولكن الإفادة الأجل للتوحيدي في العلوم الفلسفية كانت على أيدي علمين كبيرين من أعلام الفلسفة العربية خاصة وهما: يحيى بن عدي وأبي سليمان السجستاني، المنطقي اللذين لزمهما ردحا طويلا من الزمن، وأفاد منهما الكثير. 


على أنه أفاد من كتب ابن عدي وترجماته. كما يبين لنا . أكثر مما أفاد من دروسه وحلقاته، فيما كانت ملازمته لأبي سليمان أكثر وأطول، وصلته به أعمق وأوثق، حتى قال القفطي فيه إنه: «أحد أصحابه المعتصمين به»، وذهب شتيرن (Stern) إلى أن آراء أبي سليمان تنعكس في كل ما خاضه التوحيدي من مسائل فلسفية. (٦)


قائم المراجع:


١- ثامر عبد علي حبيب الجبوري، الجوانب التاريخية في مصنفات أبي حيان التوحيدي (ت ٤٠٠هـ) البصائر والذخائر، الإمتاع والمؤانسة (أنموذجا)، رسالة ماجستير، كلية التربية للعلوم الإنسانية، جامعة ديالى، العراق، ٢٠١٢، ص ٧-٨-٩.


٢- د. نرجس عبد الغفار بازهير، نحو التوحيدي ومصطلحاته في كتابه المقابسات، أستاذ مساعد قسم العلوم والدراسات الأساسية كلية المجتمع - جامعه تبوك، ص ٨٠٧.


٣- ثامر عبد علي حبيب الجبوري، مرجع سابق، ص ٩-١٠.


٤- ثامر عبد علي حبيب الجبوري، مرجع سابق، ص ١٠-١١.


٥- د. نرجس عبد الغفار بازهير، مرجع سابق، ص ٨٠٧-٨٠٨.


٦- عزت السيد أحمد، فلسفة الجمال عند التوحيدي، أطروحة دكتوراه، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة دمشق، ١٩٩٨، ص ٣١-٣٢.


مكتبة جواد
مكتبة جواد
تعليقات