بحث متكامل عن الضغوط النفسية

بحث متكامل عن الضغوط النفسية

إن تعدد المثيرات المادية منها أو السيكولوجية جعلت إنسان هذا العصر يتأثر بها، وهذا التأثير يمتد من المنزل إلى بيئة العمل أو بالعكس، حيث يتمثل هذا التأثير في حدوث ضغوط نفسية تجعل الإنسان قلقاً وسهل الاستثارة والانفعال، الأمر الذي ينعكس على أدائه الوظيفي وعلاقاته مع زملائه ورؤسائه، وربما صحته النفسية وصحته الجسدية. 

فموضوع الضغوط النفسية يثير في الوقت الراهن اهتماماً ملحوظاً بين المختصين في مختلف ميادين علم النفس والطب، ويلقى اهتماماً زائداً من وسائل الإعلام، حيث ركزت عليه الدراسات والأبحاث والبرامج من خلال عرضه في مؤتمرات علم النفس.(١)

الضغوط النفسية، بحث متكامل عن الضغوط النفسية


فالضغوط النفسية: يقصد بها حالة من التوتر والضيق الناتج عن مشكلات ومواقف حياتية متنوعة تسبب للإنسان قلقاً وتوتراً. أي هي المثيرات المنتجة للضغوط، وردود الفعل نفسها، والعمليات الوسيطية المتعددة. أي أن الضغوط النفسية تتألف من أية حادثة تزيد فيها المتطلبات الداخلية، أو المتطلبات البيئية، على المصادر التكيفية للفرد، أو الوحدة الاجتماعية، أو للجهاز الفسيولوجي. (٢)


أنواع الضغوط النفسيّة


تظهر الضغوط النفسيّة بأنواع مختلفة تبعاً لاختلاف المواقف الضاغطة، كما تختلف الاستجابة تبعاً لطبيعة الموقف الضاغط، أو تبعاً لشدة هذا الضغط وتبعاً للفروق الفردية في الاستجابة للضغط النفسي.


ويشير سيورد (Seaward, 2002) إلى أن هناك نوعين من الضغوط النفسية: (٣)


  1. الضغط النفسي الحاد (Acute stress): وهو حالة يظهر فيها الضغط بسرعة ويزول بسرعة ولكنه حاد وشديد. وغالباً ما تكون الضغوطات مفاجئة ومؤقتة، مثل إيقاف الشرطي لشخص يسوق سيارته بسرعة كبيرة، أو التقدم لامتحان مفاجئ.
  2. الضغط النفسي المزمن (Chronic stress): وهو حالة لا يظهر فيها الضغط بشكل حاد وواضح، ولكنه يستمر لفترات زمنية طويلة قد تكون أسابيع أو أشهر أو سنوات، وتكون الضغوطات مزمنة أي دائمة ومستمرة بتواجدها في حياة الفرد، مثل الخلافات المستمرة بين الزوجين، العمل مع مدير صعب، أو العيش مع شريك مزعج أو العيش بمكان غير مريح، وغيره. وهذا النوع من الضغط النفسي يسبب الأمراض والاضطرابات العديدة؛ لأن على الفرد أن يعيش هذه الحالة وآثارها على عقله وجسمه فترة طويلة، لذا فهو بحالة استثارة تفوق المعدل الطبيعي لفترة زمنية طويلة نسبياً.


مراحل الضغوط النفسية


ويذكر أبلاي وترمبل (Appley & Trumbull ,1986) أنّ عملية الضغوط النفسية تتضمن المراحل التالية: (٤)


  1. المطلب (Demand): وهو الموقف الضاغط الذي يؤثر على الفرد.
  2. الاستقبال (Reception): وهو التقييم المعرفي والإدراك والمعرفة الذاتية للمطلب إما بشكل شعوري أو لا شعوري.
  3. الاستجابة (Respons): استجابة الفرد للموقف الضاغط سواء الفسيولوجي أو السلوكي أو الاجتماعي.
  4. النتائج المدركة (Perceived consequences): للاستجابات بالنسبة للفرد والبيئة. 


مصادر الضغوط النفسية


مع عصر التغيير الذي نعيشه كثرت مسببات الضغوط النفسية، وتعددت آراء العلماء في هذا المجال وتأتي صعوبة وضع مصادر محددة للضغوط إلى أن مصطلح الضغط يستخدم في مجالات متعددة وبمعان مختلفة ويدل في كل مجال على مواقف وأحداث تختلف عن مثيلاتها في المجالات الأخرى، فالبعض يرى أن المواقف الضاغطة هي مصادر أساسية للضغط النفسي ويطلق عليها الدوافع المسببة للضغط في حين يرى البعض الآخر أن الخوف والتهديد والصراع مصادر أساسية للضغوط وأيضاً أحداث الحياة واضطراب العلاقات بين الناس والزملاء والأقوال والأفعال التي يكتنفها التهديد وكذلك مواقف النبذ والإخفاق والطموح.


ويصنف معظم الباحثين الضغط النفسي إلى عدة مصادر هي: (٥)


ضغوط التكوين الشخصي: تسبب مثيرات الضغوط ردود فعل مختلفة باختلاف الناس وتعتبر سمات الفرد وخصائصه الشخصية أحد المصادر الأساسية للضغط النفسي. فسمة التغلب وعدم المرونة تعني كراهية التغيير والميل إلى الحياة الروتينية فتسبب الضغط النفسي. وفي الحقيقة إن الخبرات الجديدة تساعد على تفادي المشكلات النفسية التي قد تصيب الفرد جراء العيش بطريقة واحدة ووفق روتين  لأن الضجر يقلل سعادة الفرد وصحته النفسية. وتمثل سمات الشخص المكتئب أحد أسباب الضغط النفسي بما يغلب عليها من الطابع السلبي والنظرة السوداوية للحياة وكذلك العناد والإصرار والتطلع إلى الكمال والمثالية والحساسية الزائدة والخوف من التغيير وإعطاء أهمية بالغة للتفصيلات مما يدخلها في دائرة التردد في اتخاذ القرارات.


الضغوط الأسرية: يعزى التأقلم مع الضغوط لدى الذكور والإناث إلى المفاهيم الإيجابية التي تنميها الأسرة لدى أبنائها من الاعتزاز بالذات والشعور بالضغط الخارجي وتقليل القلق وإثراء العقل والقدرة على تحمل تغيرات الحياة، كما أن الخلافات الأسرية وصراع الأدوار الأسرية تعلب دوراً في أحداث الضغط النفسي، كما أن أساليب التنشئة الخاطئة كالتسلط والحماية الزائدة والإهمال والتدليل والقسوة وغيرها تعتبر من عوامل الضغط النفسي.


الضغوط الداخلية: كالأمراض العضوية التي تحدث للفرد والتغييرات الفسيولوجية التي يتعرض لها وتسبب في إعاقته نحو الوصول إلى الأهداف التي يسعي في تحقيقها أما بشكل دائم أو مؤقت كالإعاقات الجسمية والعمليات الجراحية، واضطرابات الغدد الصماء وأمراض الدورة الدموية والأمراض المتعلقة بسوء التغذية. 


الضغوط في بيئة العمل: قام ابلسن Abelson  بتطوير نموذجاً للضغوط النفسية صنفها في ثلاث مستويات:


ضغوط تتعلق بالمنظمة: التي يعمل بها الفرد وذكر منها: ضعف الحوافز المالية ونقص فرص التطور الوظيفي وضغط الوقت مع كثرة أعباء العمل.


ضغوط تتعلق بالفرد وتشمل: غموض الدور المسند للفرد، وصراع الدور، وعدم القدرة على التوفيق بين مطالب العمل والأسرة، وضعف الاتصالات مع الرؤساء. 


ضغوط البيئة الخارجية وتشمل: التوافق مع التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية والوظيفة، والتدرج الوظيفي، والتقاعد، وكثرة التنقل، وظروف العمل الفيزيقية. 


الضغوط الاجتماعية: يتأثر الفرد ببيئته ومجتمعه من حيث مستوى الطبقة الاجتماعية والاقتصادية التي ينتمي إليها وما يلاقيه من مساندة اجتماعية، فالمجتمع هو الذي يعد الفرد للدور المنتظر منه ويكون لديه آليات التكيف مع الضغوط بكافة أنواعها. وكثيراً ما تصبح المتغيرات الاجتماعية ضغوطاً على الفرد مثل وفاة الزوج أو الطلاق فترسب الاضطراب النفسي لأول مرة. أو تسبب الانتكاس لاضطراب نفسي سابق.


أحداث الحياة الحادة: وهي أحداث مؤلمة وشديدة الوقع على الفرد لأنها في الواقع تكون مفاجئة وغير متوقعة وتكون في العادة خارجة عن سيطرة الإنسان كالكوارث الطبيعية أو وفاة شخص عزيز أو الإصابة بمرض معجز أو فقدان الوظيفة المفاجئ أو الخسائر الجسيمة في الأعمال وتراكم الديون والتعرض لاعتداء إجرامي، وغير ذلك من الأحداث التي تسبب صدمة للأفراد لأنها في الغالب تكون خارج حدود توقعاتهم أو خبراتهم لذلك قد يحدث هذا النوع من الضغوط لدى البعض ما يسمى باستجابة الضغط الحادة والتي قد تختلف لدى الأفراد بحسب طبيعة الاستعداد الشخصي للفرد.


الضغوط البيئية: تعتبر المثيرات البيئية مألوفة لدرجة أن الناس قد لا يقي تأثيراتها بشكل واضح ومن أمثلتها: تغيرات الطقس من درجة الحرارة، والرياح، والأمطار، وعوامل التلوث، وكثرة الضوضاء والضجيج، والاكتضاض السكاني، والوقوف في طوابير طويلة، وقد كشفت الدراسات وجود علاقة بين ارتفاع مستويات الضغط لدى الأفراد وبين تلك المثيرات البيئية.


الضغوط الأكاديمية: توجد هناك العديد من الصعوبات أو المعوقات التي يدركها طلاب وطالبات الجامعة وتحول دون تقدمهم أو نموهم بصورة طبيعية وصحيحة ومن تلك الصعوبات: مشكلات الامتحانات الأسرية المرتبطة بالدراسة، ومشكلات العلاقات التفاعلية، والمشكلات الشخصية المرتبطة بالدراسة، ومشكلات عملية التعليم الجامعي.


الضغوط المعرفية: ويقصد بها الضغوط التي تنشأ من وجود أفكار واعتقادات غير منطقية كالمبالغة في إدراك الأحداث البسيطة على أنها خطيرة ومهددة واستخدام الأحكام والاستنتاجات الخاطئة في تفسير الأحداث، وتعميم الخبرات السلبية إلى مواقف أخرى مشابهة والتطرف في إدراك الأحداث أما حسنة أو سيئة والتركيز على النواحي السلبية في الموقف وإغفال النواحي الإيجابية.


ولا يعني ذلك أن تكون الضغوط التي نواجهها في حياتنا اليومية صادرة من إحداث ومواقف عظيمة، فقد تكون الأحداث البسيطة مصدراً للشعور بالضغط النفسي، ومن ذلك ما يحدث عندما يفقد أحدنا مفاتيحه الخاصة أو تتعطل سيارته وهذه الأحداث تدعى بالمنغصات اليومية ويتفاوت الأفراد في درجة تعرضهم لهذا النوع من الضغوط. 


والضغوط النفسية قد تكون بعض الأحيان قوة دافعة إيجابية ومبعثاً للحيوية والنشاط قد تساعد الفرد على تحقيق أهدافه عن طريق الاجتهاد ومضاعفة نشاطاته، فمتطلبات الحياة لابد أن تتضمن قدراً معيناً من الضغوط ولكن إذا زاد هذا الضغط يصبح قوة هادمة، ويرى جيرلد كابلن Caplan أن الشخص الذي يتعرض للضغوط يظهر بصفة خاصة تدهوراً في رؤيته لمفهومه الذاتي بالإضافة إلى اضطرابات الوظائف المعرفية التي تعطي له معنى لمدركات العالم الخارجي، بالإضافة إلى أنه يفقد ذاكرته التي تساعده على تقييم ذاته، كما أنها تزيد من قابلية الفرد للمرض الجسمي والعقلي.


أساليب التعامل مع الضغوط النفسية


للضغوط النفسية عدد من الأساليب للتعامل معها، ومن هذه الأساليب: (٦)


  1. أسلوب البحث عن المعلومات: حيث يحاول الفرد التعامل مع الموقف الضاغط من خلال جمع المعلومات والبيانات الخاصة به قبل القيام برد فعل معين. 
  2. البحث عن الدعم الاجتماعي: يعد أسلوب البحث عن الدعم الاجتماعي من أكثر أساليب التعامل الضغط النفسي استخداما من قبل العديد من الأفراد، وتؤكد مع دراسات الدعم الاجتماعي على دوره الهام في دعم التكيف النفسي للفرد خلال تعرضه للضغط النفسي، مما ينعكس إيجابا على التقليل من الآثار السلبية له، بل أن تدني مستويات الدعم الاجتماعي للفرد يمكن أن تكون مشكلة مستقلة يعاني منها الفرد، الأمر الذي قد يتم اعتباره مصدراً من مصادر الضغط النفسي. 
  3. مهارات وأساليب التعامل المرتكزة على المشكلة: وتشير مهارات واستراتيجيات التعامل المرتكزة على المشكلة إلى تلك الطرق والأساليب التي يبذلها الفرد لمحاولة التعامل الفعال مع مواقف الضغط النفسي، وتشتمل على الأساليب المعرفية القائمة على المحاولات المستمرة لتغيير وجهة النظر المعرفية والإدراكية نحو الأحداث الضاغطة، اعتمادا على دور العمليات المعرفية في اختبار الضغوط النفسية والأساليب السلوكية القائمة على اكتشاف العلاقات الوظيفية بين السلوك والمتغيرات البيئية الموجودة في البيئة من معززات أو مثيرات معاقبة وتحديد المثيرات القبلية والبعدية المرتبطة بالمشكلة أو بالموقف الضاغط.
  4. الاسترخاء: يقوم هذا الأسلوب على مسلمة مفادها أن الاسترخاء يعمل كاستجابة مضادة للقلق، فالشخص لا يمكن أن يكون مسترخياً وقلقاً في نفس الوقت، بمعنى أن استجابة الاسترخاء تعمل على منع ظهور استجابة القلق والضغط، ومن ثم فإن تدريب الفرد على الاسترخاء يخفض من الشعور بالقلق ومن أعراض الاستثارة الفسيولوجية الناتجة عن الضغط ويقلل من درجة التوتر العضلي ويقلل من سرعة نبضات القلب ومعدل سرعة التنفس وضغط الدم، فعند الاسترخاء يندفع الدم بسهولة ويقل الضغط على الأوعية الدموية ويقل النبض كما يتم الاحتفاظ بالطاقة ويقل الإجهاد والإرهاق.


قائمة المراجع:


١- أنور جميل علي، الضغوط النفسية وعلاقتها بإنتاجية العامل دراسة ميدانية لدى عمال الإنتاج في الشركة الطبية العربية تاميكو"في مدينة دمشق"، رسالة ماجستير، كلية التربية، جامعة دمشق، ٢٠٠٨-٢٠٠٩، ص ٢٩.


٢- ملكوش، رياض، ويحيى، خولة، الضـغط النفسية والدعم الاجتماعي لدى أباء وأمهات الأطفال المعاقين في مدينة عمان، مجلة دراسات (العلوم الإنسانية)، المجلد ٢٢، العدد ٥، ١٩٩٥، ص ٣٠٧ - ٣٢٦.


٣- جلال بن يوسف بن جمعة المخيني، مصادر الضغوط النفسية وأساليب التعامل معها لدى المعلمين العاملين بوزارة التربية والتعليم في سلطنة عمان، رسالة ماجستير، كلية الدراسات العليا، الجامعة الأردنية، ٢٠٠٨، ص ١٢.


٤- المرجع السابق نفسه، ص ١١.


٥- هناء عبدالرحمن إبراهيم العمران، الضغوط النفسية وعلاقتها بالتوافق الزواجي لدى عينة من طالبات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، رسالة ماجستير، كلية العلوم الاجتماعية، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، المملكة العربية السعودية، ٢٠٠٧، ص ٢٢-٢٦.


٦-  صهيب دخان، أساليب التعامل مع الضغوط النفسية لدى طلبة المرحلة الثانوية في مدينة الناصرة، رسالة ماجستير، كلية الدراسات التربوية والنفسية، جامعة عمان العربية، ٢٠٠٩-٢٠١٠،    ص ١٧-١٨.


مكتبة جواد
مكتبة جواد
تعليقات