بحث حول الكندي مع المراجع
اسمه ونسبه: هو أبو يوسف، يعقوب بن إسحاق بن الصباح بن عمران بن إسماعيل .. بن الأشعث بن قيس بن معدي کرب، بن معاوية بن جبلة .. بن معاوية الأكبر بن الحارث الأصغر قحطان . . بن كنده .. بن كهلان بن سبأ .. بن يعرب بن قحطان.
وواضح من ارتقاء نسب عالمنا وفيلسوفنا الكندي إلى كهلان وسبأ وقحطان أنه ينحدر من الأصول العربية الجنوبية العريقة، وهو ما يُؤيده النسابون وكبار المؤرخين الباحثين في بيوتات العرب والمعنيين بتاريخ هذه البيوتات. (١)
ولادة الكندي
يجمع الذين ترجموا للكندي على أنه كان بصرياً في الولادة والنشأة . حدّث عنه ابن جلجل فقال «كان شريف الأصل بصرياً، وكان جده ولى الولايات لبني هاشم ونزل البصرة وضيعته هناك، وانتقل إلى بغداد، وهنالك تأدب» وعن ابن جلجل أخذ القفطي وابن أبي أصيبعة واتفق الثلاثة على أن ولادته وتحصيله الأول كانا في البصرة، وأن الطور التالي من نشأته وثقافته كان في بغداد ومع أن أباه تناوب على ولاية الكوفة خلال عقدين من الزمن، فلم نجد عند هؤلاء الثلاثة أية إشارة لمكانة الكوفة في حياته ودراسته، الأمر الذي حمل بعض المحدثين على القول بأن في رواية ابن جلجل «خلطاً .. لأن الكندي لم يكن بصرياً وإنما كان من الكوفة».
فإذا تجاوزنا هذه المسألة وجدنا المصادر العربية تشير إلى أن الكندي عاش في القرن الثالث للهجرة دون أي تحديد دقيق لسنة ولادته أو وفاته. والذين جعلوا حياته تمتد بين ١٨٥ و ٢٥٢هـ أو (٨٠١-٨٦٦ م) إنما هم من الدارسين العرب المحدثين.
واثنان من المستشرقين هما الألماني فلوجل والايطالي ناجي، أسهما بدورهما في هذا الموضوع فذهب الأول إلى أن حياة الكندي كانت في القرن التاسع للميلاد وأن وفاته كانت في حدود سنة ٨٦٦ م.
بينما قال الآخر بأن الكندي كان لا يزال حياً سنة ١٩٨ هـ (۸۱۳م)، وإنه مات سنة ٢٥٨ هـ الموافقة سنة (۸۷۳ م)، مقدراً أنه عمر نحواً من سبعين سنة. (٢)
تصانيفه
يقول صاعد الاندلسي: ولم يكن في الاسلام من اشتهر عند الناس بعلوم الفلسفة حتى سموه فيلسوفاً غير يعقوب [بن اسحق الكندي]. وله في أكثر العلوم تأليف مشهورة . . . .».
كما أورد ابن النديم أسماء كتب الكندي في ثماني صفحات ملزوزة، بل ان فهرست كتبه يزيد على دست كاغد، أي اثنتي عشرة ورقة، كما يقول الشهرزوري.
والحق أن عرض أسماء كتبه يدل على رسوخ قدمه واتساع أفقه وشمول معارفه. فهي تشمل ميادين المعرفة المختلفة شمولاً منقطع النظير. فقد اهتم الكندي بكل الاتجاهات والتيارات الفكرية في عصره، مما لا يتهيأ إلا للفحول والجهابذة الأعلام.
وقد اختلف المؤرخون اختلافاً شديداً في عدة كتبه فجعلها صاحب (الفهرست) وصاحب (أخبار الحكماء) نحو مئتين وثمان وثلاثين، وجعلها صاعد الأندلسي نحواً من خمسين. منها ما هو في الفلسفة، ومنها ما هو في المنطق، ومنها ما هو في الموسيقى والحساب والطبيعة والآثار العلوية.
فقد كتب في المنطق والنفس والكيمياء والطبيعة وما وراء الطبيعة والأخلاق والموسيقى والطقس والمطر والضباب والرعد والصواعق والرياح وأسبابها واتجاهاتها، وفي الكثافة والثلج والبرد، وفي علة اللون اللازوردي الذي يرى في الجو.
غير أن أكثر مؤلفات الكندي مفقود. لذلك فقد كان إلى عهد قريب اسماً معروفاً يتردد ذكره في المصادر العربية، لكننا لا نعرف إلا القليل من أفكاره. فقد ظل فكره مجهولاً حتى فيض له من يكتشف بعض كتبه ورسائله ويخرجها إلى النور. وقد كان الغرب أحسن حظاً من الشرق في الاطلاع على فلسفة الكندي وآرائه. فكانت هناك ترجمات لاتينية لبعض كتبه التي ضاع أصلها العربي. كما ان أوتو لوط Otto Loth قد نشر بالعربية سنة ١٨٧٥ بمدينة ليبزغ وضمن كتاب (أبحاث شرقية) رسالة للكندي بعنوان (في ملك العرب وكميته) وكتب مقدمة لها.
وكذلك نشر البينو ناجي Albino Nagy في جزء من (مجموعة تاريخ فلسفة العصور الوسطى) وباللغة العربية أيضاً رسالتين للكندي إحداهما رسالة (في العقل) ورسالة أخرى (في النوم والرؤيا) في ترجمتهما اللاتينية، واتبعهما بالترجمة اللاتينية لرسالة ثالثة ضاع أصلها العربي عنوانها (في الجواهر الخمسة)، وذلك بمدينة ميستر عام ۱۸۹۷.
وتتابعت بعد ذلك رسائل الكندي إلى الظهور سواء في أصلها العربي أو في ترجمتها اللاتينية. بل لقد ترجم بعضها إلى لغات أخرى غير اللاتينية كالايطالية مثلاً.
وفي الثلاثينات من هذا القرن اكتشف المستشرق الالماني ريتر H .Ritter مجموعة من رسائل الكندي بمكتبة أيا صوفيا (اسطنبول) رقم ٤٨٣٢ في أصلها العربي.
وأخرج الدكتور أحمد فؤاد الاهواني (كتاب الكندي إلى المعتصم بالله في الفلسفة الأولى) القاهرة ١٩٤٨ وقدم لهذا الكتاب بمقدمة تشتمل على دراسة مطولة لشخصية الفيلسوف ومذهبه، ثم عكف أستاذنا الدكتور محمد عبد الهادي أبو ريدة على دراسة آثار الكندي الفلسفية، فعمد إلى مخطوط آيا صوفيا ونشر ما يتصل منه برسائل الكندي العلمية والفلسفية في مجلدين اثنين، أولهما سنة ١٩٥٠، والثاني سنة ١٩٥٣.
وقدم الدكتور أبو ريدة لتحقيقه النصي بدراسات مستفيضة عن الكندي تجعله بحق من أكثر المشتغلين بالدراسة الفلسفية فهما لموقف الكندي الفلسفي. (٣)
أهمية النظام التربوي عند الكندي
إن الكندي قدر أهمية النظام التربوي السائد في زمانه، فقد عد (العلم والتعليم) ظاهرة من الظواهر الاجتماعية التي امتاز بها الجنس البشري عن غيره من الكائنات الحية.
كذلك أكد إن التعليم والمعلم في حياة الفرد والأمة وعده تكاملا للإنسان من الناحية الجسمية والذهنية والعاطفية والأخلاقية وأن المدرسة مؤسسة اجتماعية ووسيلة فعالة يمكن من خلالها تحقيق التغيرات الثقافية والأهداف القومية المشتركة، فوضع المناهج التعليمية والتربوية في إطار قومي ذي فكر تربوي هادف وموجه وقد أكد إن للعلم قيمة كبيرة إذا آمن الإنسان به بلغ أقصى ما يتمناه من إن العلم ليس معلومات بقدر ما هو طريقة ومنهج لتحصيل هذه المعلومات وأنه العامل الأساسي في نجاح العملية التعليمية وأنه من أهم عناصر التعليم. (٤)
قائمة المراجع:
١- د.عمر فاروق الطباع، الكندي فيلسوف العرب والاسلام، ط١، مؤسسة المعارف للطباعة والنشر، ١٩٩٣، ص ٥٣.
٢- المرجع السابق نفسه، ص ٥٨-٥٩.
٣- د. محمد عبد الرحمن مرحبا، الكندي فلسفته - منتخبات، ط١، منشورات عويدات، بيروت - باريس، ١٩٨٥، ص ١٣-١٥.
٤- م.د. نسرین جواد شرقي، الفكر التربوي عند ابو يوسف يعقوب بن اسحق الكندي (دراسة نظرية)، مجلة البحوث التربوية والنفسية، العدد ٤١، ٢٠١٤، ص ٢٢٧.