الغزالي، حياته، مؤلفاته، فلسفته

بحث عن الإمام الغزالي مع المراجع

تعريف الغزالي: محمد بن محمد بن أحمد الطوسي، حجة الاسلام الغزالي، ولد بطوس سنة ٤٥٠ هـ / ۱۰٥۸ م، من اعمال خراسان وكان والده يغزل الصوف ويبيعه في دكانه بطوس، وقد تلقن في أوائل عمره الفقه على رجل متصوف هو أحمد بن محمد الراذكاني، وكان منذ طفولته يمتاز بذكاء حاد واستعداد كبير لتقبل العلم وفهمه.

قدم ينسابور ولازم إمام الحرمين أبا المعالي الجويني، المتوفى سنة ٤٧٨ هـ / ١٠٨٥ م، وجد واجتهد حتى برع في مواضيع العلوم المختلفة، فانه بدأ بالفقه والخلاف والاصول، ثم انتقل الى دراسة علم الكلام ومذاهب المخالفين، ومن هذا اتجه الى الحكمة أى الفلسفة وانتهى إلى دراسة التصوف ثم الى ممارستها عملا. 


وصنف في كل فن، كتبا أحسن تأليفها وأجاد وضعها وتنظيمها.

الغزالي، الإمام أبو حامد الغزالي


ونال الغزالي حظوة كبيرة من قبل الوزير السلجوقي نظام الملك لما وجد فيه من غزارة العلم وسعة الفهم وولاه تدريس مدرسته النظامية بغداد. (١)


اسمه، ونسبه، وكنيته، ولقبه


اسمه: هو محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي، الغزالي.


فالطوسي: نسبة إلى طوس بلدة بخراسان، وقيل قرية ببخارى.


والغزالي: نسبة إلى غزال وهي قرية بطوس، وقيل نسبة إلى حرفة غزل الصوف والعمل فيه.


كنيته: اتفق المترجمون للغزالي على أنّه يُكنى بأبي حامد، مع أنّه لم يُعرَف له ولدٌ بهذا الاسم، بل ذُكِرَ أنّه لم يُعْقِبْ إلا البنات.


لقبه: حجة الإسلام. ولقب بذلك لأنه كما قال السبكي: أفقه أقرانه، وإمام أهل زمانه، فارس ميدانه، كلمة شهد بها الموافق والمخالف، وأقر بحقيقتها المعادي والمخالف. كما لقب بـ((زين الدِّين)) أيضاً. (٢)


نشأته


نشأ الإمام الغزالي في كنف أبيه الذي كان فقيراً صالحاً، لا يأكل إلا مِنْ كسْب يده في حِرْفةِ غزْلِ الصُّوف، ويبيعه في دكانه بطوس، وكان محباً للعلم والعلماء، ويطوف على المتفقهة ويجالسُهم، ويَجِدُّ في خِدْمَتِهم والإحسانِ إليهم، وكان إذا سمع كلامَهم بكى وتضرع إلى الله أنْ يرزُقه ابناً فقيهاً، ويحضر مجالسَ الوَعْظ ويسأل اللهَ أنْ يرزُقَه ابناً واعظاً، فاستجابَ اللهُ دَعْوَته، ورزقه محمداً أفقه أقرانه، وأحمد الواعظَ المؤثِّر.


وعندما حَضَرَتْ والدَه الوفاة وصّى بأبي حامدٍ, وبأخيه أحمد إلى صديقٍ له متصوّفٍ وقال له: إنَّ لي لتأسُّفاً عظيماً على تعلُّم الخَطِّ، وأشتهي استدراك ما فاتني في ولديَّ هذين، فعلِّمْهما، ولا عليك أنْ تُنْفِدَ في ذلك جميعَ ما أُخَلِّفُه لهما. 


فلمّا مات أقبلَ الصُّوفي على تعليمِهما إلى أنْ فَنِيَ ذلكَ المالُ الذي كان خلَّفه لهما أبوهما، وتعذّرَ على الصُّوفي القيامُ بقوتِهما، فقال لهما: اعلما أنِّي قد أنفقتُ عليكما ما كانَ لكما، وأنا رجلٌ مِنَ الفقرِ والتّجريدِ بحيثُ لا مال لي فأواسيكما به، وأَصْلَح ما أرى لكما أنْ تلجآ إلى مدرسة كأنَّكما مِنْ طلبةِ العلم، فيحصلُ لكما قوتٌ يُعينُكما على وقتِكما. ففَعلا ذلك، وكان هو السّببَ في علوِّ درجتهما، وكان الغزاليُّ يحكي هذا ويقولُ: طلبْنا العلمَ لغيرِ الله فأبى أنْ يكونَ إلا لله.


فكان أبو حامد أفقه أقرانه، وإمام زمانه(٣).


نشأته العلمية ومشايخه


قرأ الإمام الغزالي الفقه على أحمد بن محمد الراذكاني بطوس، وذلك سنة ٤٦٥هـ / ١٠٧٣ م، ثم سافر إلى جرجان إلى الإمام أبي نصر الإسماعيلي، وعلق عنه التعليقة.


لما كان عمره ٢٨ سنة سافر إلى (نيسابور)، ولازم  عبد الملك بن عبد الله الجويني الملقب (إمام الحرمين)، ولم يزل ملازما له حتى توفي أستاذه، حيث قرأ عنده الفقه على المذهب الشافعي، والخلاف، والجدل، وأصول الدين، وأصول الفقه، والمنطق، وقرأ الحكمة والفلسفة، وأحكم كل ذلك، وفهم كلام أرباب هذه العلوم حتى تصدى للرد عليهم وإبطال دعاواهم. 


ودرس أيضا التصوف عند الإمام الزاهد أبي علي الفضل بن محمد بن علي الفارمذيّ الطوسي. 


وكان يسمع (صحيح البخاري) من أبي سهل محمد بن عبد الله الحفصي، كما سمع صحيحي البخاري ومسلم من الحافظ أبي الفتيان عمر بن أبي الحسن الرواسي. (٤)


تلامذته


أما تلامذة الإمام الغزالي فهم كثيرون نذكر منهم: القاضي أبو نصر أحمد ابن عبدالله الخمقري المتوفى سنة ٥٤٤ هـ، والإمام أبو الفتح أحمد بن على بن محمد بن برهان المتوفى سنة ٥١٨ هـ، وأبو منصور محمد بن إسماعيل العطاري المتوفى سنة ٥٧٣ هـ، وأبو سعيد محمد بن أسعد الشوقاني المتوفى سنة ٥٥٤ هـ، وأبو عبد الله بن تومرت المهدي، وأبو حامد الإسفرايني، وأبو عبد الله محمد العراقي البغدادي، وأبو سعيد محمد بن يحي النيسابوري المتوفى سنة ٥٤٨ هـ، وأبو سعيد محمد بن علي الجاواني، وأبو طاهر الشيباني المتوفى سنة ٥١٨ هـ، وأبو الفتح الأذربيجاني، وخلف بن أحمد النيسابوري. (٥)


تسميته الغزالي


اختلف المؤرخون في نطق كلمة الغزالى، هل بتشديد الزايى أو بتخفيفها ؟ قال ابن خلكان، في ترجمة أبي الفتوح أحمد أخي أبي حامد الغزالي: والغزالي بفتح الغين المعجمة وتشديد الزاى المعجمة وبعد الألف لام، هذه النسبة الى الغزال على عادة أهل خوارزم وجرجان ينسبون إلى القصار، القصاري وإلى العطار، العطارى. 


وقيل ان الزاى مخففة نسبة الى غزالة وهي قرية من قرى طوس وهو خلاف مشهور ولكن هكذا قال السمعاني في كتاب الأنساب والله اعلم.


وقد ذكر السيوطي في لب اللباب، القولين مع تضعيف التخفيف وأورد طاش کبری زاده، في كتابه المعروف بمفتاح السعادة: أن والد الغزالي كان يغزل الصوف ويبيعه في دكان بطوس، وروى أيضا: أن الغزالي، حكى: ان أباه كان فقيرا صالحا لا يأكل إلا من كسب يده في عمل غزل الصوف. 


وذكر الشيخ الزبيدى، وغزالة كسحابة، قرية من قرى طوس، قيل: وإليها ينسب أبو حامد كما صرح به النووي في التبيان، وقال ابن الأثير: ان الغزالى مخففا خلاف المشهور، وصوب فيه التشديد وهو منسوب الى الغزال، بائع الغزل او الغزالى على عادة أهل خوارزم وجرجان كالقصاري إلى القصار.


ويميل الأستاذ الدكتور مصطفى جواد، الى ان كلمة الغزالي، بالزاي المخففة بالنسبة الى غزالة، وهى قرية من قرى طوس، موطن الإمام الغزالي. (٦)


مؤلفاته


للغزالي مؤلفات كثيرة تزخر بها المكتبات العربية والإسلامية، بل العالمية ضمنها عصارة فكره، وثمار جهده واستفاد بها الناس من بعده وأهمها «إحياء علوم الدين». 


وليس من السهل حصرها، وعلى الأخص بهذا المقام، إذ اشتغل بأمرها الكثيرون من الباحثين الذين اهتموا بحصرها، وبيان صحة نسبة بعض الكتب إليه من عدمها، ولقد عد منها صاحب طبقات الشافعية ما يقرب من ستين كتاباً، وعد منها شارح كتاب الإحياء - الإمام الزبيدي ما يقرب من ثمانين كتاباً ورسالة: منها في الفقه «الوجيز» و«الوسيط» و«البسيط». ومنها في علم الكلام الاقتصاد في الاعتقاد ومنها في الفلسفة «مقاصد الفلاسفة وتهافت الفلاسفة». 


ومنها في التصوف «بداية الهداية» و««منهاج العابدين وإحياء علوم الدين».


وقد ذكر الدكتور عبد الحليم محمود أن ثلاثة من كتب الغزالي تعتبر الأهم - في نظره - على الإطلاق، وأنه لو لم يؤلف غيرها لبقي هو الغزالي العملاق الصوفي الفيلسوف، بطابعه وسماته وشخصيته، ولا ينقص شيئاً، ولكن لو لم يؤلفها لما كان هو الإمام الغزالي صاحب الأثر الخالد على الدهر.


وقال: إن أحد هذه الكتب: هو المنقذ من الضلال وثانيها: «تهافت الفلاسفة وثالثها: «إحياء علوم الدين». (٧)


طريق الغزالي في نقد الفلسفة


امتاز الغزالي عن من سبقوه في محاربة الفلسفة، فقد اتخذ من سبقوه موقف الدفاع ونفي التهم عن الإسلام، في مواجهة هجوم الفلسفة على الإسلام، ولم يجرؤ أحد على مهاجمة الفلسفة لعدم تعمقهم فيها وعدم تسلحهم بالأسلحة التي يواجهون بها الفلسفة ويوسعونها نقداً، أما الغزالي قد هاجم الفلسفة، وتناولها بالفحص والنقد، وألجأ ممثليها إلى أن يقفوا موقف المدافعين، فكان إنتصاراً عظيماً للعقيدة الإسلامية وزالت بها مهابة الفلسفة وسيطرتها العلمية، وألف كتاب «مقاصد الفلاسفة» ذكر فيه المصطلحات الفلسفية والمباحث الفلسفية من غير تعليق ونقد. 


وبعد أن نظر في جميع فروع الفلسفة، وإعترافه بصحة بعضها وإفادتها. 


وإنتهى إلى أن أكثر أغلاطهم في العلوم الرياضية والطبيعية التي لها مبادىء ومقدمات ومحسوسات ومعلومات أولية توصلوا بترتيبها إلى أمور مجهولة بعكس الإلهيات التي ليس فيها مبادىء ومقدمات ومحسوسات ومعلومات أولية يتوصلون بها إلى أمور مجهولة وليس فيها أساس للقياس. 


قال تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى:۱۱)، ثم ألف كتابه العظيم «تهافت الفلاسفة»، ناقش فيه الفلاسفة في مسائلهم وبين فيها ضعف استدلالهم وتناقضهم واختلافهم وتهافت عقيدتهم. (٨)


وفاته


وبعد عمر دام خمساً وخمسين سنة، كان مليئًا بالعلم والعمل والدعوة إلى الله تعالى، والتأليف، ودحض حجج الملحدين.. ترك إمامنا الغزالي الدنيا، وفاضت روحه إلى باريها، وذلك في يوم الاثنين الرابع عشر من شهر جمادى الآخرة من سنة (٥٠٥ هـ)، ودفن بظاهر قصبة طابران بطوس. 


يذكر السبكي كلام أبي الفرج ابن الجوزي أن أحمد، أخا الإمام الغزالي يقول: (( لما كان يوم الاثنين وقت الصبح، توضأ أخي أبو حامد وصلى، وقال: علي بالكفن، فأخذه وقبله ووضعه على عينيه، وقال: سمعا وطاعة للدخول على الملك، ثم مد رجليه، واستقبل القبلة، ومات قبل الإسفار قدس الله روحه)). (٩)


اقرأ أيضا: الفارابي، حياته، وفلسفته


قائمة المراجع:


١- د.حسين امين، الغزالي فقيها وَفَلْسَوفَا وَمُتَصَوف، من تراث العرب والاسلام، مطبعة الرشاد، بغداد،  العراق، ١٩٦٣، ص ٣.


٢- أحمد بن راشد الرحيلي، المطلب العالي شرح وسيط الغزالي

لأبي العباس نجم الدين أحمد بن محمد بن الرِّفعة المتوفى سنة ٧١٠ﻫ (من بداية الباب الثاني في الإجارة، إلى نهاية الباب الثاني من كتاب الإجارة) دراسةً وتحقيقاً، رسالة ماجستير، كلية الشريعة، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، المملكة العربية السعودية،  ١٤٣١ﻫ، ص ٢٠-٢١.


٣- المرجع السابق نفسه، ص ٢٢-٢٣.


٤- مولانا أندي سوريا، الفكر السياسي عند الإمام الغزالي، رسالة ماجستير، كلية أصول الدين، الجامعة الإسلامية- بغداد، ٢٠٠٥، ص ٣٨-٣٩.


٥- عبدالله محمد مكي عبدالله سلتي، مدى استفادة المدرسة الإبتدائية من التربية الخلقية عند أبي حامد الغزالي، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة أم القرى، المملكة العربية السعودية، ١٤١٧ - ١٤١٨هـ، ص ٢١.


٦-  د.حسين أمين، مرجع سابق، ص ٢٨.


٧- عارف مفضي البرجس، التوجيه الإسلامي للنشء في فلسفة الغزالي، ط٢، ١٩٩٣، ص ٢٢-٢٣.


٨- عبدالله محمد مكي عبدالله سلتي، مرجع سابق، ص ٢٢.


٩-  مولانا أندي سوريا، مرجع سابق، ص ٤٠.



مكتبة جواد
مكتبة جواد
تعليقات