بحث كامل عن الأعشى مع المراجع

بحث كامل عن الأعشى مع المراجع

كان يطوف الجزيرة العربية بشعره كأنه "قناة إعلامية" متنقلة، يمدح الملوك فيغنيهم، ويهجو الخصوم فيسقطهم. لكن مأساته الكبرى لم تكن في شعره، بل في "كأس خمر" حال بينه وبين الجنة وهو على بعد خطوات من النبي ﷺ. إليكم قصة ميمون بن قيس (الأعشى).

اللقب: الأعشى الكبير / صناجة العرب

الاسم: ميمون بن قيس البكري

الميزة: أغزر الشعراء شعراً وأكثرهم تكسباً

أشهر قصيدة: ودّع هريرة (المعلقة)

النهاية: مات مشركاً بسبب حبه للخمر

الأعشى

النشأة واللقب: لماذا سُمي بـ "صناجة العرب"؟


هو ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل بن عوف بن سعد بن ضبيعة ابن قيس بن ثعلبة، ويكنى أبا بصير. ولد قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب: ضبيعة وتيم وثعلبة وسعد.


فولد ضبيعة بن قيس بن ثعلبة: مالك وربيعة وهو حجدر وعباد وسعد رهط الأعشى، وكان يقال لأبيه قيس بن جندل قتيل الجوع.


والأعشى شاعر جاهلي مخضرم من شعراء الطبقة الأولى .. وقد قام الخلاف حول التسمية التي أطلقت على العصر الذي عاش فيه - أعنى تسميته بالعصر الجاهلي - وهي الفترة التي سبقت ظهور الإسلام مباشرة. (١)


كنيته


يكنى الأعشى (بأبي بصير) ويزعم بعض الباحثين أنه إنما كني بهذا الاسم؛ لضعف بصره. وقيل: إنه أنجب ولداً سماه بذلك الاسم فكنّي به(٢).


لقبه


لقّب بالأعشى، لضعف بصره والذي أدى في النهاية إلى انطفاء النور في مقلتيه.


ولم يقتصر الأعشى ـ شاعرنا وحده بهذا اللقب، بل أطلق على عدة شعراء، في الجاهلية والإسلام، إلا أنّ كل واحد ينسب إلى قومه وقبيلته، فيقال: أعشى تغلب، أعشى بني عقيل، أعشى همذان، أعشى نهشل...أمّا شاعرنا ميمون بن قيس، فقد أطلق عليه، أعشى بني قيس، أو الأعشى الكبير.


ومن ألقابه: (صناجة العرب) لأنه كان يغني في شعره، وقيل لأنه أول من ذكر الصّنج في شعر فقال:


ومستجيبٌ لصوتِ الصّنجِ تسمعُه … إذا ترجّعُ فيه القينةُ الفضلُ. (٣)


زمانه: هل الأعشى شاعر جاهلي أم مخضرم؟ 


من المرجح أنه ولد قبيل العام الثالث والسبعين قبل الهجرة ومات بعد صلح الحديبية في السنة السابعة من الهجرة، فقد ذكر الشاعر أنه تجاوز الثمانين من عمره حيث قال: مضى لي ثمانون من مولدي ... كذلك تفصيل حسابها وقال ابن قتيبة في كتاب الشعر والشعراء: رحل - أي الأعشى - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقيل له: إنه يحرم الخمر والزنا، فقال: أتمتع منها سنة ثم أسلم ! فمات قبل ذلك بقرية اليمامة، وقالوا إن خروجه يريد النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلح الحديبية. (٤)


خصائص شعره: أوصف الناس للخمر وأمدحهم للملوك 


لم يترك الأعشى فنا من فنون الشعر إلا وقال كلمته فيه. 


فكانت له جولات في المديح، والفخر والهجاء، والحكمة والغزل، والوصف، والخمرة.


وقد عده أبو سلام الجمحي في الطبقة الأولى من كتابه طبقات الشعراء.


وقال عنه صاحب كتاب جمهرة أشعار العرب "وقال الذين قدموا الأعشى: هو أمدحهم للملوك، وأوصفهم للخمر، وأغزرهم شعرا، وأحسنهم قرضا".


وقال أبو الفرج في كتاب الأغاني: "هو أحد الأعلام من شعراء الجاهلية وفحولهم، وتقدم على سائرهم، وليس ذلك بمجمع عليه ولا فيه ولا في غيره".


وقد أوصى أبو عمرو بن العلاء بشعره فقال: "عليكم بشعر الأعشى، فإني شبهته بالبازي يصيد ما بين العندليب إلى الكركي". (٥)


ويُعتبر الأعشى المدرسة الأولى في (الخمريات) التي مهدت الطريق لشعراء جاؤوا بعده وأبدعوا في وصف الكأس والنديم، وعلى رأسهم الشاعر الذي ناقشناه في: [بحث عن الأخطل: الشاعر المسيحي الذي ورث عرش وصف الخمر في العصر الأموي].

ديوان الأعشى: رحلة التدوين من "شرح ثعلب" إلى المستشرقين


للأعشى شِعر كثير جُمع في ديوان كبير ليس أقل من دواوين أصحاب المعلقات منزلة عند النقاد والرواة، عني به من الأقدمين أبو العباس ثعلب، فجمعه وشرحه.  


ثم عكف الأدباء على ما جمعه ثعلب ينتقون منه القصائد والشواهد وفي طليعة هؤلاء التبريزي الذي جعل قصيدة الأعشى اللامية (ودِّع هريرة) إحدى معلقات الجاهليين.


وقد أسهب المستشرقون في شعر الأعشى، جمعاً، واستدراكاً، وشرحاً، وكان منهم سلفستر دي ساسي (١٨٢٦ م/١٢٤٢هـ)، وكان منهم أيضاً (ثوربكة ١٨٧٥م/١٢٩٢هـ). 


وفي السنة نفسها نشر رودلف غايير قصيدتين لاميتين للأعشى وكان ذلك أول أعماله في شعر الأعشى، تلك الأعمال التي ظل مثابراً عليها أكثر من نصف قرن حتى ختمها (سنة ١٩٢٨م) بكتاب نفيس في الأعشى وشعره طبعه في (فيينا) وأظهره في مجموعة (غيب) بعنوان: الصحيح المنير في شعر أبي بصير. 


وقد جمع فيه ديوان الشاعر وعليه شرح ثعلب، مضيفاً إليه كُل ما نُسب إلى الأعشى غير المذكور في الديوان، ملحقاً به دواوين الأعشين الآخرين وعددهم اثنان وعشرون، وملحقاً به أيضاً ديوان خال الأعشى المسيب بن علس ،فكان عمله أجمع كتاب ظهر في الموضوع حتى اليوم.


ومِمَّن شرح ديوان الأعشى  المفكر والأديب والناقد المصري محمد محمد حسين، المولود في سوهاج، من مدن الصعيد في مصر سنة (١٩١٢م).


والذي كانت له مؤلفات عديدة، واهتمامات بنقد الشعر والنثر، وكان هذا الديوان من المؤلفات التي عني بشرحها، وقد بيَّن مقصوده من شرح هذا الديوان بقوله:


أولاً: مراجعة الشرح، وتعقب ما فات الشارح منه وخصوصاً في النصف الثاني من الديوان.


ثانياً: التقديم للقصائد بالتعريف للأعلام والأحداث التي تشير إليها مع بعض الملاحظات العامة عليها، والإشارة في صدر كل قصيدة إلى بحرها.


ثالثاً: تقريب الشعر إلى القارئ بتقديم نثر كامل للقصائد يقابل النص الشعري، ويربطه ببيئته وبالقيم الأدبية والاجتماعية التي يصورها.


رابعاً: وضعت في آخر الديوان فهارس للمفردات اللغوية وللأعلام والأماكن والأغراض والمعاني، لتيسير الانتفاع الكامل بالنص الشعري. (٦)  

المأساة: قصة الأعشى والنبي ﷺ (كيف صدته قريش عن الإسلام؟)

تعتبر قصة الأعشى مع الإسلام واحدة من أكثر القصص إيلاماً في السيرة النبوية؛ فهي قصة رجل وقف على باب "الجنة" ورده عنه "كأس خمر"! (٧)

​الرحلة إلى المدينة:

في أواخر حياته، سمع الأعشى ببعثة النبي محمد ﷺ، وعلم بتعاليمه، فنظم قصيدة طويلة (بائية) في مدح النبي، تعد من عيون الشعر، مطلعها:

​أَلَم تَغتَمِض عَيناكَ لَيلَةَ أَرمَدا ... وَبِتَّ كَما باتَ السَليمُ مُسَهَّدا

نَبِيٌّ يَرى ما لا يَرَونَ وَذِكرُهُ ... أَغارَ لَعَمري في البِلادِ وَأَنجَدا
ثم ركب ناقته قاصداً النبي ﷺ ليسلم ويمدحه، وكان قدومه سيشكل "نصراً إعلامياً" هائلاً للإسلام؛ لأن العرب كانت تتبع رأي الأعشى وتخاف لسانه.

​كمين قريش (أبو جهل):

عندما وصل الأعشى مشارف مكة، اعترضته قريش (وفي روايات أن الذي اعترضه أبو جهل)، فخافوا أن يسلم الأعشى فتتبعه العرب كلها. فدار بينهم هذا الحوار التاريخي:
قريش: أين تذهب يا أبا بصير؟
الأعشى: جئت لأُسلم وأمدح محمداً.
قريش (بخبث): يا أبا بصير، إنه يحرم الزنا.
الأعشى: لقد كبرت سني، ولا أرب لي في النساء، لا يضرني ذلك.
قريش: ولكنه يحرم الخمر!
الأعشى (بصدمة): أما هذه فوالله لا صبر لي عليها!

​الصفقة القاتلة:

استغلت قريش تردده، فقال الأعشى: "سأرجع إلى بلادي فأشرب منها عامي هذا (سنة واحدة)، ثم آتيه فأسلم".

ولكي يضمنوا رحيله، جمعت له قريش مائة ناقة هدية، فرجع بها إلى قومه في اليمامة.

​النهاية الحزينة:

لم يمهله القدر ليكمل سنته ولا ليشرب خمره، فما إن وصل قريباً من دياره حتى سقط عن ناقته فاندقت عنقه ومات مشركاً، وضاعت عليه فرصة لقاء النبي ﷺ بسبب "لذة مؤقتة".

تساؤلات حول الأعشى


من هو الشاعر الذي لقب بالاعشى؟


هو ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل بن عوف بن سعد بن ضبيعة ابن قيس بن ثعلبة، ويكنى أبا بصير.


لماذا سمي الاعشى بهذا الاسم؟


سمي بهذا الاسم لضعف أصاب بصره، ولذلك سمي الأعشى. 


ما هي ديانة الأعشى؟


الأعشى كما هو معروف شاعر جاهلي أدرك الإسلام ولم يسلم، والله أعلم. 


هل الأعشى أعمى؟


في بداية حياته كان نظره ضعيف ثم في  النهاية انطفأ النور في مقلتيه.


قائمة المراجع:


١- زينب عبد العزيز العمري، السمات الحضارية في شعر الأعشى دراسة لغوية وحضارية، مطبوعات دارة الملك عبد العزيز، الرياض، ١٩٨٣، ص ٥٣.


٢- خالد بن عبد الرحمن شعيب الهوساوي، التذكير والتأنيث في ديوان الأعشى،  دراسة نحوية صوفية، رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، ١٤٣٦هـ، ص ١١.


٣- المرجع السابق نفسه، ص ١٢.


٤- عبد الحميد حميد الصاعدي، أبنية جموع التكسير وما جاء على وزنها في ديوان الأعشى دراسة صرفية تطبيقية، رسالة ماجستير، كلية اللغة العربية،  الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، ١٤٣٦هـ، ص ٩-١٠.


٥- المرجع السابق نفسه، ص ١٠.


٦- صادق بن مساعد بن سليمان السويهري الهذلي، الخروج عن أصل التركيب في ديوان الأعشى(ميمون بن قيس) المتوفى سنة ٧هـ ـ ٦٢٨م، رسالة ماجستير، كلية اللغة العربية وآدابها، جامعة أم القرى، المملكة العربية السعودية،  ص ٢٣-٢٤.


٧- ابن هشام، السيرة النبوية، ذكر قدوم الأعشى مكة، المجلد الأول، ص ٣٨٦.


مكتبة جواد
مكتبة جواد
تعليقات