الحطيئة: الشاعر الذي هجا نفسه وأمه! (بحث كامل)
هل تتخيل رجلاً ينظر في المرآة فيشتم نفسه؟
نعم، لقد حدث هذا في تاريخ العرب!
إنه الحطيئة، الشاعر الذي امتلك موهبة فذة ولساناً لا يرحم. عاش متكسباً بشعره، يمدح من يدفع، ويهجو من يمنع، حتى صار الناس يتقون شره بالمال. هو "سليط اللسان" الذي اضطر الخليفة عمر بن الخطاب لحبسه في بئر حتى يتوقف عن نهش أعراض الناس.
في هذا البحث، نتعرف على الشاعر العبقري ذي النفس الدنيئة.
الاسم: الكامل جرول بن أوس بن مالك العبسي.
اللقب: الحطيئة / أبو مليكة.
القبيلة: بني عبس (نفس قبيلة عنترة وعروة).
العصر: مخضرم (عاش في الجاهلية والإسلام).
المدرسة الشعرية: مدرسة "عبيد الشعر" (تلميذ زهير بن أبي سلمى).
أشهر صفاته: الهجاء، البخل، قبح المنظر، وجودة الشعر.
الوفاة: حوالي ٣٠ هـ (٦٥٠ م).
من هو الحطيئة؟ ولماذا لُقب بهذا الاسم؟
اسمه جرول، وهو شاعر من قبيلة عبس، ولكنه عانى من اضطراب في نسبه، فكان تارة ينسب نفسه لمضر وتارة لأخرى، مما سبب له عقدة نفسية لازمته طوال حياته.
أما لقب "الحطيئة" فقد غلب على اسمه، وله في ذلك روايات:
القصر: لقربه من الأرض (رجل قصير دميم)، والحطأة هي الضربة بالأرض.
الدمامة: لقبح وجهه ورثاثة هيئته.
رواية طريفة: قيل إنه أحدث صوتاً (ضرط) في مجلس، فقيل: ما هذا؟ قال: "إنما هي حطيئة"، فلصق به اللقب! (١)
شخصيته: عبقرية فنية ونفسية معقدة
كان الحطيئة شخصية مليئة بالتناقضات، جمع بين "متانة الشعر" و "دناءة النفس":
مدرسته الفنية: كان راوية للشاعر الحكيم زهير بن أبي سلمى، فتأثر به جداً في تنقيح القصيدة وتجويدها، حتى قال عنه النقاد: "ما تشاء أن تطعن في شعر شاعر إلا وجدت فيه مطعناً، إلا الحطيئة". شعره كان كالسبائك الذهبية، خالياً من العيوب.
طباعه: وصف بأنه "كثير الشر، قليل الخير، بخيل، سيء الخلق". جعل من شعره وسيلة للارتزاق والابتزاز، فكان الناس يخافونه ويدفعون له اتقاءً لشره. (٢)
👈من أين اكتسب هذه "الهندسة" الدقيقة في الشعر؟لم يأتِ إتقان الحطيئة من فراغ، بل لأنه تخرج من "مدرسة الحوليات" التي كان صاحبها لا يخرج القصيدة إلا بعد عام كامل من التنقيح.
تعرف على المعلم الأول للحطيئة: [زهير بن أبي سلمى: شاعر الحكمة والسلام]
طرائف هجائه: لم يسلم منه أحد!
الحطيئة وعمر بن الخطاب: السجن التأديبي
قصته مع الزبرقان: البيت الذي سُجن بسببه
أغراضه الشعرية
برع الحطيئة في فنون الشعر فهو من مدرسة زهير المعروفة المشهورة وكان راوية زهير.
وغلبت على موضوعات شعره المديح والهجاء، وكذلك برع في الفخر على الرغم مِنْ إنَّه كان مغموز النسب إلا أنه ألم به، وكذلك برع في النسيب فنرى ذلك واضحاً في قصائده فقد تغزل بأمامة وهند وليلى وكذلك ذكر الأطلال والوقوف على الديار والرسوم … (٥)
ماذا قال النقاد فيه وفي شعره؟
مدحاً:
- أشعر الشعراء بعد زهير.
- كان متين الشعر شُرُودَ القافية، (منتشر الشعر في كل مكان).
- من فحول الشعراء ومتقدميهم وفصحائهم.
- متصرف في جميع فنون الشعر من مدح، وهجاء، وفخر، ونسيب، مجيد في ذلك أجمع. وعلى الرغم من اشتهاره بالهجاء وخوف الناس منه إلا أنه لم يُفْحِش فى هجائه، كما أفحش زهير وأوس مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام.
- ما تشاء أن تقول في شعر شاعر من عيب إلا وجدته ، وقلما تجد ذلك في شعر الحطيئة!
قذحاً:
- كان ذا شر وسفه، ونسبه متدافع بين القبائل.
- كان جشعاً سَئُولًا ملحفاً دنيء النفس كثير الشر، قليل الخير بخيلاً.
- كان قبيح المنظر رث الهيئة !
- كان معمونَ النَّسَبِ فاسد الدين.
- أسلم ثم ارْتَدَّ ثم عاد فأسلم واشترك في معركة القادسية.
- لقد أفسد شعره الحَسَنَ بهجاء الناس وكثرة الطمع ! (٦)
أسئلة شائعة عن الحطيئة (FAQ)
س: ما معنى أن الحطيئة شاعر "مخضرم"؟
ج: المخضرم هو من عاش شطراً من حياته في الجاهلية وشطراً في الإسلام، والحطيئة أدرك العصرين.
س: هل يُعتبر الحطيئة صحابياً؟
ج: اختلف العلماء في ذلك؛ فهو أدرك النبي وأسلم، لكنه ارتد بعد وفاته، ثم عاد للإسلام وشارك في القادسية، ونظراً لضعف إسلامه وسوء خلقه، تحفظ البعض على عدّه من الصحابة العدول، والله أعلم.
س: لماذا يعتبر "أشعر الناس" بعد زهير؟
ج: لأنه أخذ عن زهير "صنعة الشعر" (التنقيح والتهذيب)، فكان شعره متيناً، قوياً، خالي الحشو، شرود القافية (أي تحفظه الناس بسرعة).
قائمة المراجع:
١- احمد حسن احمد، المديح في شعر الحطيئة (دراسة موضوعية فنية)، بحث تخرج بكالوريوس، ديوان الوقف السني، كلية الإمام الأعظم، ٢٠١٨، ص ٥.
٢- أحمد داود عبد الله دعمس، ديوان الحطيئة دراسة: صرفيّة وتركيبية ودلالية، رسالة ماجستير، كلية الآداب والعلوم، جامعة آل البيت، ١٩٩٩، ص ٤-٥.
٣- أبو عمر يوسف بن عبد الله، أدب المجالسة وحمد اللسان وفضل البيان وذم العي وتعليم الإعراب، دار الصحابة للتراث - طنطا، ١٩٨٩، ص ١٩٥.
٤- أبي الفرج الأصفهاني، الأغاني" ج٢، ص 178.
٥- مرجع سابق، ص ٦.
٦- محمد إبراهيم سليم، نوادر الحطيئة، دار الطلائع للنشر والتوزيع، ١٩٩١، ص ٧٨.
