بحث كامل عن امرؤ القيس بالمراجع
شغل امرؤ القيس العرب في الجاهلية كما شغلهم في صدر الإسلام وبعده، كما شغل به الرواة والشعراء والنقاد في كل عصر من عصور التاريخ وفي عصرنا هذا عظمت العناية بشخصية امرئ القيس وتحقيق أخباره ونقد أشعاره، وتجاوزت تلك العناية جمهور الدارسين من أبناء الأمة العربية إلى غيرهم من الأجانب والمستشرقين في محاولاتهم لدرس التاريخ العربي، وفهم العرب وحظهم من المعرفة والفن ودراسة لغتهم وألفاظهم وطبيعة تراكيبهم، حتى قد يكون من الممكن أن تملأ الدراسات التي كتبت عن امرئ القيس وحده مجلدات كثيرة، تكون مرآة للحياة العربية والفن العربي منها خاصة. (١)
هو حندج بن حجر بن الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار، وهم ملوك كندة المعروفون، ويلقب امرأ القيس والملك الضليل وذا القروح ويكنى أبا وهب أو أبا الحارث أو أبا زيد.
وأمه فاطمة بنت ربيعة بن الحارث بن زهير التغلبية، وهي أخت كليب.
ومهلهل ابني ربيعة التغلبيين ولم يتفق النسابون كلهم فى هذا النسب، وبعضهم يقول ان اسمه امرؤ القيس لا حندج، وبعضهم يقول إن اسمه قيس فقط، وقال بعضهم إن اسم أبيه عمر ولا حجر، وقال بعضهم ان اسم امه تملك لا فاطمة، وقال بعضهم إنه لم يكن له ولد ذكر يكنى به، وقال بعضهم إنه كان يشد بناته فلم يكن له أولاد ذكور ولا إناث، وقال بعضهم إنه كان له بنت يقال لها هند، وقيل إنها كانت أخته لا بنته. (٢)
ولادته ووفاته
ولد امرؤ القيس سنة ١٣٠ قبل الهجرة، حسب ما أشار إلى ذلك خير الدين الزركلي في كتابه الإعلام. (٣)
وقيل أن وفاة امرؤ القيس كانت عام ثمانين قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقيل سنة ستين وخمسمائة لميلاد المسيح عليه السلام. (٤)
العوامل التي أثرت في شخصيته الشعرية
- شرف نسبه، من الثابت أن امرأ القيس قد نشأ من أصل كريم فأبوه حجر ملك کنده وامه اخت كليب بن وائل والمهلهل (ملك تغلب وأخوه الشاعر) وهذا النسب الذي ورثه أغناه عن التكسب بشعره وجعله يحب الفن للفن.
- تشرده حين طرده أبوه، إذ اضطر الى حياة الصيد والقنص وتفنن في وصف ذلك تفنناً بذ به معاصريه من شعراء العصر الجاهلي.
- محاولته الأخذ بثأر أبيه وما ادى اليه ذلك من اضطراره للالتجاء الى قبائل العرب وهو يتصور الاعباء التي عليه أن يقوم بها تحقيقاً لآماله في الثأر.
- الاسفار التي رافقت حياته وساهمت في توسيع أفق خياله وتفكيره كما زاد احتكاكه بالناس من تجربته.
وهكذا نرى ان حياته الاولى وهو شاب ينعم بالجاه والمال واللهو جعلت منه شاعر الغزل وشاعر وصف الصيد والطبيعة وإن اسفاره ومحاولته الأخذ بالثأر جعلته يقول الشعر المتنوع الاغراض في الشكوى والاعتبار والهجاء والمدح والحكمة الا انه لم يبدع فيها ابداعه في الغزل والوصف. (٥)
منزلته
يعتبر امرؤ القيس في طليعة شعراء العصر الجاهلي لما في شعره من جدة، وابتكار، وإيجاز، وجزالة، وجميع الذين عنوا بالشعر الجاهلي جعلوه في الطبقة الأولى بين شعراء عصره إلا أنهم اختلفوا في ترتيبه مع زهير والنابغة.
ويروى عن الرسول (ص) أنه قال: امرؤ القيس، صاحب لواء الشعراء وقائدهم الى النار وقال علي بن ابي طالب(ع) امرؤ القيس أحسن الشعراء نادرة واسبقهم بادرة وأنه لم يقل لرهبة أو لرغبة.
وسأل الاصمعي بشاراً: من أشعر الناس ؟ فقال: اختلف الناس في ذلك فأجمع أهل البصرة على امرىء القيس وطرفة بن العبد، وأجمع أهل الكوفة على بشر بن أبي خازم، وأجمع أهل الحجاز على النابغة وزهير.
وقال أبو عبيدة: أشعر الناس أهل الوبر خاصة وهم: امرؤ القيس وزهير والنابغة.
كما عده ابن سلام الجمحي، الشاعر الأول في الطبقة الأولى قبل النابغة وزهير والأعشى. (٦)
مؤلفاته
لامرئ القيس انتاج كبير، وكالآتي: (٧)
١- ديوانه: أما ديوان أمرؤ القيس السابعة والعشرون الذي ينقسم في القصيدة منها:
- القصيدة الأولى دواوين الشعراء الستة للشنتمري وهو أول من طبعة دى سلان ( De Slane) بباريس سنة ١٨٣٧.
- القصيدة الثانية (ألا عم صباحا أيها الطل البالي).
- القصيدة الثالثة (خليلي مرا بي على أم جندب).
- القصيدة الرابعة (سما لك شوق بعدما كان أقصرا).
- القصيدة الخامسة (أعني على برق أراه وميض).
- القصيدة السادسة (غشيت ديار الحي بالبكرات).
- القصيدة السابعة (ألا إن قوما كنم أمس دونهم).
- القصيدة الثامنة (لمن طلل أبصرته فشجاني).
- القصيدة التاسعة (قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان).
- القصيدة العاشرة (دع عنك نهبا صيح في حجراته).
- القصيدة الحادية عشرة (أرانا موضعين لأمر غيب).
- القصيدة الثانية عشرة (أماوى هل لي عندكم من معرس).
- القصيدة الثالثة عشرة (ألما على الربع القديم بعسعسا).
- القصيدة الرابعة عشرة (لعمرك ما قلبي إلى أهله بحر).
- القصيدة الخامسة عشرة (لمن الديار غشيها بسحام).
- القصيدة السادسة عشرة (يا دار ماوية بالحائل).
- القصيدة السابعة عشرة (رب رام من بني ثعل).
- القصيدة الثامنة عشرة (يا هند لا تنكحي بوهة).
- القصيدة التاسعة عشرة (ألا قبح الله البراجم كلها).
- القصيدة العشرون (إن بني عوف ابتنوا حسبا).
- القصيدة الحادية والعشرون (والله لا يذهب شيخي باطلا).
- القصيدة الثانية والعشرون (ألا إلا تكن إبل فمعزي).
- القصيدة الثالثة والعشرون (ألا يا لهف هند إثر قوم).
- القصيدة الرابعة والعشرون (التي يمدح فيها المعلى الطائي).
- القصيدة الخامسة والعشرون والقصيدة السادسة والعشرون هما مما نظمه في أثناء مطاردة المنذر له.
- القصيدة السابعة العشرون (ديمة هطلاء فيها وطف).
٢- شعره: ينقسم شعر أمرؤ القيس إلى قسمين منها: القسم الأول فلا يعدو المعلقة والمطولة الثانية في ديوانه (ألا عم صباحا أيها الطل البالي) وهما جميعا مما رواه الأصمعي والمفضل الضبي وأبو عبيدة كما يتبين من تخريجهما في طبعة الديوان بدار المعارف.
معلقته
اختار امرؤ القيس شاعرين وجد عندهما من الشعر طلبته فأخذ عليهما، فأما أحدهما فخاله مهلهل الذي تشبه حياته حياته، وهو الذي علمه القريض فيما يقولون وجعله يذهب في شعره وسيرته مذهبه، ولكن شعر امرئ القيس ليس في سهولة ولين شعر خاله، وهذا ناشئ من أنه لم يتأثر به في الشعر وحده، وأما ثانيهما فأبو داود الإيادي، الذي كان وصافا للخيل وأكثر شعره في أوصافها، وكثير من شعر امرئ القيس فيها متأثر بما جاء فيها من شعره، وقد يكون تأثر بغيرهما، ولكن هذين الشاعرين هما اللذان أدباه وعلماه، وظهر في شعره أثرهما أكثر من غيرهما.
واللغة التي روي لنا بها شعر امرئ القيس عدنانية مثل لغة غيره من الشعراء العدنانين، فإذا كانت كندة قبيلة امرئ القيس من القبائل العدنانية فموافقة لغته لشعره ظاهرة، وإذا كانت من القبائل القحطانية على ما يراه جمهور النسابين فإن أسرة امرئ القيس قد انتقلت إلى نجد، وعاشت بين القبائل العدنانية القرن الخامس كله، قبل أن يظهر شاعرها امرؤ القيس في أوائل القرن السادس، وفي هذه المدة كانت الحبشة قد استولت على اليمن وإزالة منها دولة حمير، فانقطعت صلة دولة كندة بها، وأخذت تتجه نحو الشمال وتقوي صلاتها بالقبائل العدنانية.
يضاف إلى ذلك أن أمه فاطمة كانت من قبيلة تغلب العدنانية، كما أخذ الشعر عن شاعرين عدنانين.
وقد نظم امرؤ القيس معلقته المشهورة ليذكر حبه لابنة عمه، وليذكر يوم دارة جلجل فعندما سمع أن ابنة عمه فاطمة (عنيزة) قد ذهبت مع فتيات القبيلة إلى غدير في دارة جلجل ليبتردن، لحق بهن فأدركهن في الماء، وجمع ثيابهن، ثم قال لهن لن أعطي إحداكن ثيابها إلا إذا خرجت عارية وأخذت ثيابها مني. فخفن العذارى البرد والتأخر عن أهلهن، وبدأن يخرجن واحدة واحدة ويأخذن ثيابهن.
وبقيت عنيزة مترددة. وعندما أدركت أن امرأ القيس لن يرجع عن عزمه، خرجت وأخذت ثيابها منه. وعندئذ قام امرؤ القيس وذبح ناقته لهن فأكلن، ولما حان وقت الرجوع ركب مع عنيزة في هودجها.
ومعلقة امرئ القيس تحوي واحداً وثمانين بيتاً قالها لغرض "التشبيب والفخر والوصف ".
يقول في مطلعها (من البحر الطويل):
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل … بسقط اللوى بين الدخول فحومل
ويختمها بقوله:
كان السباعَ فِيهِ غَرقَى عَشِيَة … بأرجائه القصوى أنابيش عنصل (٨)
قائمة المراجع:
١- د. سهير بنت عيسى بن مرعي القحطاني، أثر مغارس الألفاظ في فقه معلقة امرئ القيس عند الشيخ أبي موسى دراسة وتحليل، مجلة الجامعة الإسلامية، المجلد ٥١، ملحق العدد ۱۸۳، (الجزء العاشر)، ٢٠١٨، ص ٣٣٧.
٢- عبد المتعال الصعيدى، زعامة الشعر الجاهلي بين عمرو القيش، عدي بن زيد، ط١، المطبعة المحمودية التجارية بالأزهر بمصر، ١٩٣٤، ص ١٥
٣- خير الدين الزركلي، الأعلام، دار العلم للملايين، ٢٠٠٠.
٤- د. عبد المقصود محمد عبد المقصود، قضايا الخلاف النحوي في مُعلقة امرئ القيس، ط١، مكتبة الثقافة الدينية، ٢٠٠٩، ص ٨.
٥- أحمد مطاع قباني، أحمد الكردي، الشعراء النوابغ، عرض - تحليل - دراسة - خصائص، ص ١٥.
٦- المرجع السابق نفسه، ١٦.
٧- أني أيرناواتي، أثر الشعر الأمرؤ القيس في الشعر لأحمد شوقي (دراسة وصفية مقارنة)، كلية العلوم الإنسانية والثقافة، الجامعة الإسلامية الحكومية بمالانج، ٢٠٠٩، ص ٨٩-٩٢.
٨- خديجة عبد العاطي سليمان العسيكري، الظواهر اللسانية في معلقة امرئ القيس في إطار التوليدية التحويلية "في نموذجها الأول"، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة طرابلس، ٢٠١٥، ص ١٦-١٧.
