بحث حول أبو القاسم الشابي مع المراجع
هو أبو القاسم بن محمد بن أبي القاسم الشابي، ولد عام ۱۹۰۹ في بلدة توزر بتونس، تنقل مع والده الذي تولى القضاء في أنحاء تونس المختلفة، والتحق مطلع عام ١٩١٤ بجامع الزيتونة.
تخرج فيه عام ۱۹۲۷، ثم أتم دراسته بكلية الحقوق وتخرج فيها عام ۱۹۳۰، وتزوج في نفس العام، ومرض بداء في القلب عام ۱۹۲۹ وظل مريضاً حتى توفي عام ١٩٣٤، وليس له ديوان شعر إلا ديوان أغاني الحياة. (١)
نشأ أبو القاسم في بيت علم من اسرة محافظة، فأبوه محمد الشابي درس على الشيخ محمد عبده، وأجيز من الأزهر الشريف ولي القضاء ببعض جهات البلاد التونسية، وكانت أولى البلاد التي عمل بها (سليانة) كان ذلك بتاريخ ۱۱ ربيع أول ۱۳۲۸ هـ، ۲۲ آذار (مارس) ١۹۱۰م بعد ولادة أبي القاسم بسنة تقريبا، ثم عين في قفصه في ٢١ رمضان ۱۳۲۹هـ، ١٤ سبتمبر ۱۹۱۱م، ثم انتقل الى قابس في ١٥ صفر ١٣٣٢ هـ، ثم انتقل بعد ذلك الى جبال تاله في ٢٢ رجب ١٣٣٥م.
وكان أبو القاسم يتنقل مع والده في كل المناطق التي عمل بها، وبذا يكون أبو القاسم قد طوف في مختلف أنحاء البلاد التونسية، وعاش حياة شعبه، واطلع عليها في ادنى البلاد واقصاها، وكان لذلك كله أثر على حياة أبي القاسم، وعلى صنع اتجاهاته، فمن طريق اختلاطه بأبناء شعبه في نواحي البلاد المختلفة، اضلع على كل المآسي التي كان يحياها هذا الشعب، وشاهد مظاهر التخلف والبسوس التي عاناها أبناء الأمة. (٢)
شخصية الشابي والعوامل المكوِّنة لها
أثرت في تكوين شخصية الشابي عوامل متعددة، كان لها بصماتُها الواضحة في حياته النفسية، وفي اتجاهاته الفكرية والأدبية، وأهم هذه العوامل: (٣)
مَرضُه الذي ولّد لديه حالةً تشاؤمية سوداوية في نظرته إلى الوجود، وقد انعكس ذلك في سلوكه، إذ جعل منه المرض رجلاً شديد الانفعال.
واقعه المادي الذي نشأ من ضغط أعباء الحياة وتكاليفها عليه، لا سيما بعد وفاة والده الذي أملى عليه تحمّل أعباء المسؤولية الأسرية مبكِّراً، مما حرمه الكثير من الحرية التي كان ينبغي أن يتمتّع بها.
مطالعاته الفكرية والأدبية التي صقلت موهبته، وطَبَعت شعره بمسْحَةٍ من الخيال، وأدخلت عليه شيئاً من الجدّةِ والطرافة.
واقع الحياة في وطنه: حيث البؤس الاجتماعي والتخلف الثقافي وضعف الأداء السياسي التي هي بمجملها من مورِّثات الاستعمار الفرنسي.
وإذا أَضَفْنا إلى العوامل آنفة الذكر عبقرية الشابي الأصيلة وشاعريته الفيّاضة فإننا نجد أنفُسَنا أمام شخصية أدبية مضطربةٍ عاجزةٍ حيناً، متمردة طموحةٍ أحياناً أخرى.. شخصيةٍ تجمع الشيء ونقيضه بآن.
وعن المواصفات الشخصية للشابي تنقل كتب الأدب أنه كان ضعيف البنية، نحيف الجسم، مديد القامة، قويَّ البديهة، حاد الذكاء، سريع الانفعال، بشوشاً، كريماً، وديعاً، متأنقاً، قنُوعاً، متواضعاً، خجولاً، كثير التسامح في معاملة أصدقائه وخصومه، طروباً لمجالس الأدب، رقيق الطبع، لطيف المعشر، خافت الصوت عند التحدث، يُحبُّ الفكاهة الأدبية، كما كان قليل التكلُّف في حياته الخاصة وفي حياته العامة، وكانت تعلو دائماً وجهَه مسحةٌ من الكآبة والوجوم على الرغم من المرح الذي كان يحاول اصطناعَه أمام أصدقائِه ممن كانوا يأتون إليه، كما كان مُحِبّاً لبلاده، صادقَ الوطنية..
حياته الأدبية والفكرية
توفي الشابي، وهو لا يزال في مقتبل العمر، لكنه ترك آثاراً أدبية مميزة ورائعة، وقد مثل الشابي والحليوي والبشروش في الثلث الأول من القرن العشرين مسيرة واضحة المعالم في التجديد الأدبي بتونس؛ فكانوا رواد الأدب التونسي وخاصة الرومنسي منه، فربطوا الصلات بين المشرق والمغرب بكتاباتهم ومراسلاتهم المختلفة، وتمكنوا من تثبيت قيمتهم الأدبية والفكرية في الوطن العربي، ولم يكتفوا بذلك إذ إنهم كملوها بمطالعاتهم وترجماتهم الأدبية من الأدب الأوربي، فأبدعوا في مجالات الأدب من شعر وقصة ومسرحية ورسالة وغيرها من الأجناس الأدبية الأخرى.
وقد ساهموا في تفعيل الثقافة في حقبة الثلاثينيات من القرن الماضي، «وتزعموا فيها حركة التجديد الفكري التي أثمرت مجموعة من الأسماء الشعرية والنقدية ما تزال إبداعاتها فاعلة في الذائقة القرائية التونسية وتحتاج إلى الآن كثيرا من الاهتمام النقدي». (٤)
شعره ونثره الأدبي
جمع الشابي شعره قبل وفاته، لكن الموت أدركه قبل أن يطبع ديوانه، فتكفل به بعد موته ثلة من الرجال المخلصين، فطبع ديوانه الموسوم بـ أغاني الحياة؛ ويقع في حوالي مئتي صفحة، جمع فيه كل أشعاره.
أما الجانب الإبداعي النثري، فقد ترك الشابي أربعة أعمال هي:
رسائله المتبادلة مع معاصريه في تونس، وفي المشرق العربي.
مذكراته اليومية، وتقع في ثلاثين يوم بدأه في (۱-۱- ۱۹۳۰م) إلى (۲۸ - ۱ - ۱۹۳۰م)، وزاد عليه يومين من شهر فيفري (فبراير)، وهما اليوم الخامس والسادس من الشهر نفسه.
تأملاته؛ وهي موسومة بـ دموع حائرة، وهي عبارة عن خواطر ومقالات كتبها في الصحف، وتقع في حوالي ١٠٦ صفحة. (٥)
نتاجه الأدبي
نال أبو القاسم الشابي في حياته القصيرة شهرة لا يستهان بها. ففي عام ۱۹۲٥م بدأت صلته بزين العابدين السنوسي الذي بدأ بإصدار صحيفة العالم الأدبي في ذلك العام، وباشر نشر قصائده فيها في العام التالي. وكان السنوسي يقدم قصائد الشابي بإعجاب ظاهر.
وفي عام م۱۹۲۷ أصدر السنوسي كتابه الأدب التونسي في القرن الرابع عشر الهجري، وخص الشابي بترجمة وافية وبمختارات كثيرة. ثم بدأ الشابي ينشر قصائده في مجلة ابوللو في مصر، ونال شعره إعجاب أحمد زكي أبو شادي، مما ساعد في ذيوع شهرته في المشرق العربي.
كما ساهم الشابي في نشر عدد من المقالات والدراسات في المجلات التونسية بين عام م١٩٢٧ وعام م١٩٣٤.
لم ينشر الشابي ديوان شعره خلال حياته، مع أنه كان قد رتب القصائد وجمعها قبل وفاته.
لكن هذا الديوان نشر عام م١٩٥٥ في مصر بعنوان أغاني الحياة. وللشابي محاضرة طويلة مطبوعة في كتاب بعنوان الخيال الشعري عند العرب.
كما نشرت الرسائل التي تبادلها الشابي مع أصدقائه ومعارفه ما بين عام ١٩٢٨م وعام ١٩٣٤م، ونشرت مذكراته التي كان يسجل فيها خواطره اليومية.
ويذكر المتتبعون للنشاط الأدبي للشابي أن لديه أعمالاً أدبية ما زالت مخطوطة لم تنشر وهي عبارة عن روايتين بعنوان المقبرة وصفحات دامية ومسرحية بعنوان السكير.
كما أن لديه محاضرة بعنوان «جميل بثينة» مكتوبة بأسلوب قصصي أعدها لتلقى في النادي الأدبي، لكن المرض منعه من تقديمها. (٦)
قائمة المراجع:
١- فريد عوض حيدر، شعر أبي القاسم الشابي دراسة أسلوبية، مكتبة زهراء الشرق، ٢٠٠٢، ص ١.
٢- فخري احمد حسن طمليه، أبو القاسم الشابي دراسة في حياته وأدبه، رسالة ماجستير، كلية اللغة العربية، جامعة الأزهر، مصر، ١٩٧٤، ص ٢١-٢٢.
٣- د. سحر عبد الله عمران، أبو القاسم الشابي عبقرية فريدة وشاعرية متجدِّدة (بمناسبة الذكرى المئوية لميلاده)، الهيئة العامة السورية للكتاب، دار البعث، دمشق، ٢٠٠٩، ص ١٣-١٤.
٤- سليم بن علي بن صالح، الرسائل بين محمد الحليوي وأبي القاسم الشابي، رسالة ماجستير، كلية اللغة العربية، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، ١٤٣٦هـ، ص ٣٣-٣٤.
٥- المرجع السابق نفسه، ص ٣٤.
٦- ريتا عوض، أبو القاسم الشابي، أعلام الشعر العربي الحديث، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ١٩٨٣، ص ١٧-١٨.
تعليقات
إرسال تعليق