بحث كامل عن الشاعر بشار بن برد
بشار بن برد بن يرجوخ من سبي المهلب بن أبي صفرة يكنى أبا معاذ، ويلقب بالمرعّث، ولد بالبصرة سنة ٩٦ هـ تقريباً، ونشأ بها، واشتهر شعره فيها، توفي في بغداد سنة ١٦٧ هـ.
كان عظيم الخَلق مفرط الطول عظيم الوجه أكمه جاحظ العينين قد تغشاهما لحم أحمر، فكان قبيح العمى، مجدور الوجه، كان أبوه يعمل طيّاناً، وكان له أخوان بشر وبشير، يعملان قصابين.
قال الشعر ولما يبلغ عشر سنين، كان رجلاً رحيماً باراً يحب أسرته ويعطف على إخوته ويصل رحمه. كما كان كريماً سخياً على الرغم من ضيق يده.
كما أنه كان لاهياً عابثاً، سريع الغضب، سيء الخلق، قوي الرد على من خالفه، كثير المحادثة، بذيء اللسان، شديد الأذى.
يعتبر بشار من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، شهد تطورات كبيرة ومثيرة في المجتمع العربي الإسلامي، فهو خير صلة بين العصرين.
فقد مثل العصر الأموي في معظم اتجاهاته ومثل العصر العباسي في كل ما كان يضطرب فيه، فقد عاش حركة الانتقال الضخمة التي نتجت عن تغير الحكم بكل ما فيها من فكر وأدب ومناظرات، وبكل ما فيها من اضطراب وفتن ودسائس، وساهم في هذا كله، وشارك غيره من الشعراء والأدباء في جوانب الحياة المختلفة بما فيها من جد ولهو، وخدم بفنه الشعر العربي، فنقله نقلة كبيرة تتفق وانتقال الحكم وتغيير المفاهيم، وتعبر عن الوضع الجديد الذي انتهت إليه الأمة دون أن تهمل مقاييس القدماء، ونظراتهم التقليدية لمفهوم الشعر.
وربما أدى هذا كله إلى اضطراب شخصية بشار، كما ظهرت في شعره وبالتالي وجدت علاقة بين إبداعه الشعري ونفسه المضطربة، حيث يرى علماء النفس: "أن حياة الفنان لا يمكن إلا أن تكون مملوءة بألوان الصراع، لأن في داخله قوتين تتصارعان هما: الميل البشري للسعادة والرفاء والاطمئنان في الحياة من جهة، وشوق جارف إلى الإبداع قد يذهب بعيداً إلى حد أن يتغلب على كل رغبة شخصية من جهة أخرى.
فحياة الفنانين بصفة عامة غير مرضية إلى حد بعيد، إن لم نقـل إنها مؤسفة، وذلك لما فيها من نقص من الناحية البشرية والشخصية، وليس بسبب مشئوم". (١)
كنيته ولقبه
بشار بن برد كان يكنى أبا معاذ، ويلقب بالمرعث؛ لأنه يضع قرطاً في أذنه والقرط يسمى الرعثة. (٢)
مكانته
لم يكن محترما، ولكنه كان مهيبا، ولم تكن صلات الأثرياء له انعطافا أو عطفا، ولكن كان خوفا ومداراه. والسهولة شعره أثر في مهابته، فانه لا يكاد ينشد البيت حتي يردده الاطفال والشباب والشيوخ والنساء في مختلف النواحي فالمهجو منه مضغة في الأفواه، والممدوح منه مرفوع العلم في كل مكان.
وماذا نقول عن شاعر تعرض له رجل من ( بني زيد) فوعده على التلاقي في (المريد).
فلما حان الموعد وذهب الزيدي كان يسمع في طريقه على طولها:
شهدت على (الزيدي) أن نساءه … ضياع الى إبر العقيل تزفر
فسأل الرجل: لمن هذا الشعر؟ فقيل له: لبشار فيك؛ فعاد ولم يدخل المربد حتى مات ..
ماذا نقول في شاعر هذا مبلغ سريان شعره، ودرجة انتشار قوله؟ لا نقول إلا أنه يجب أن يخاف ويخشى شره. وكذلك كان بشار ولقد سألته امرأة: لم يخافك الناس وأنت على ما نرى ؟ فقال: ليس من حسن يهاب الأسد. (٣)
نشأته
وقد نشأ بشار في شظف عيش في كنف أبيه الذي كان طيانا يضرب اللين في البصرة ومن هنا نجد أن بشاراً اصطلحت عليه أدوار كثيرة لم يكن له يد فيها، من ضعة النسب وذل في الولاء، وفقر الأسرة وعاهة العمى، فحاول أن يعوض ذلك النقص.
فنشأ هذا الضرير قوي الذاكرة كثير الحفظ، ميالا بفطرته إلى النواحي الأدبية، كما أن نشأته في بني عقيل وإحاطته بالكثير من تراث هذه القبيلة الأدبي والشعري ومخالطة الشعراء وما نقلوه عن شعراء غيرهم من شعر، فظهر نبوغه المبكر في قول الشعر.
فقد كان المربد بالبصرة سوقا للشعر وساحة للهجاء، فكان الهجاء أول غرض يتعلق به بشار، كما أن طبيعة بشار العنيفة، وحبه للعدوان وجهت بشارا إلى الهجاء، ويقال إن والده كان يضربه بسبب تعرضه للناس وكثرة شكواهم منه، فكان يرد على أبيه قائلا: "إن الله يقول: {ليس على الأعمى حرج}. (٤)
شعره
كان شعر بشار كثيراً، ويقال أنه بلغ اثنتي عشرة ألف قصيدة، فقد ذكر صاحب الأغاني أن بشاراً حدث فقال: إن له اثنتي عشر ألف، أو ثلاثة عشر ألف بيت شعر، تعد من عيون الشعر، فقيل له: إن هذا لم يكن يدعيه أحد قط سواك، فأجابه: بأن له اثنتي عشرة ألف أو ثلاثة عشر ألف قصيدة لعنها الله، ولعن قائلها إن لم يكن في كل واحدة منها بيت عين واحد.
ويعقب على ذلك طه حسين بقوله: وهو غير مسرف في ذلك.
وقد يظن بعض الدارسين أنه بالغ في هذه المقولة، لأنهم لم يألفوا من الشعراء القدامى مثل هذا العدد، ثم لم يلبثوا أن يدخلوا في نوع من التقديرات العقيمة، والحقيقة أنه ليس ثمة مبالغة لأن هناك رواية أخرى تؤكد هذه الكثرة الكثيرة من نتاجه، فابن النديم يقول، - وهو من هو امانة ودقة: إن شعر بشار لم يجتمع لأحد، ولا احتوى عليه ديوان، وقد رأيت منه نحو ألف ورقة.
ويقول ابن خلكان: وشعر بشار كثير سائر فنقتصر منه على هذا القدر. (٥)
شهرته
ذاعت شهرة بشار بن برد في العصر العباسي، وقد نظم شعراً كثيراً لاسيما في الغزل والهجاء، أتهم بالزندقة والفحش في شعره، أمر الخليفة المهدي بقتله وقد جاوز السبعين من عمره، ضاع أكثر شعره بعد قتله.
وقد أجمعت المصادر على أن بشار بن برد هو الذي نهج للعباسيين طريقتهم الجديدة، وأنه رأس المحدثين وأصحاب البديع، فهو يزاوج بين الماضي والحاضر، وحلقة الوصل بين المرحلتين الأموية والعباسية، ويكمن فنه الحقيقي في اهتمامه بالصورة الشعرية التي بلغت عنده حداً كثيراً من الروعة، وبذلك فتح المجال لابن الرومي ليكون شاعر العربية الأول في مجال التصوير الشعري. (٦)
مذهب الديني
كانت تغلب عليه الزندقة ويخفيها. يدخل المسجد ولا يصلى، ويؤيد مذهب الجبرية، ويفضل إبليس على آدم، وفي ذلك يقول:
إبليس خير من أبيكم آدم … فتنبهوا يا معشر الفجار
إبليس من نار وآدم طينة … والأرض لا تسمو سمو النار
ومن ذلك يتبين أنه كان أيضا يقدم النار على الطين ويقول:-
الأرض مظلمة، والنار مشرقة … والنار معبودة مذ كانت النار (٧)
قائمة المراجع:
١- جمعة بنت سفر بن سعيد الزهراني، الألوان في شعر بشار بن برد دراسة تحليلية نقدية، أطروحة دكتوراه، كلية اللغة العربية، جامعة أم القرى، المملكة العربية السعودية، ١٤٣٠هـ، ص ١٤-١٥.
٢- سالم، نورية سعد ورمضان سعد القماطي، الصورة الشعرية عند بشار بن برد والأعمى التطيلي، فكر وإبداع، ج ٦١، ٢٠١١، ص ٤٢٢.
٣- أحمد حسنين القرني، بشار بن برد شعره وأخباره، المكتب العربية بشارع درب الجماميز، ١٩٢٥، ص ٢٤-٢٥.
٤- إبراهيم محمد رمضان عبد الحميد، الصورة الشعرية عند بشار بن برد، المجلة الليبية للدراسات، عدد ١٣، ٢٠١٧، ص ٨١.
٥- د. محمد الصادق عفيفي، بشار بن برد دراسة وشعر، دار الرائد العربي، بيروت، لبنان، ١٩٨٣م، ص ١٨-١٩.
٦- إبراهيم محمد رمضان عبد الحميد، مرجع سابق، ص ٨٢.
٧- أحمد حسنين القرني، مرجع سابق، ص ٢٣.