بحث كامل عن إبن المعتز
هو أبو العباس عبدالله بن المعتز بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد (ت ٢٩٦هـ)، نشأ في بيت الخلافة في الترف والنعيم وأسباب العظمة، إلا أن أيام العز والنعيم لم تدم له طويلا، فمات والده وعمره ثماني سنوات، فتولت تربيته جدته، وأحضرت له المؤدبين والعلماء من كبار علماء عصره، وانبثقت شاعريته مبكراً، واستمر في طلب العلم، وجالس الشعراء والأدباء والخلفاء، وصفوة القوم، فنضجت شاعريته، واحتل مكانة بين الشعراء والأدباء، فصار علماً من أعلام الشعر والأدب والنقد، فخلف ثروة علمية تمثلت في: ديوان شعر كبير، وكتابه البديع وهو من أول المؤلفات في هذا الفن، والذي كان هدفه من تأليفه: " تعريف الناس أن المحدثين لم يسبقوا المتقدمين في شيء من أبواب البديع، وكذلك كتابه طبقات الشعراء، وكتاب الآداب، وكتاب فصول التماثيل، ورسائله، وعدة مؤلفات أخرى.
لقد حظي هذا الشاعر - على مر العصور باهتمام العلماء، والأدباء والنقاد، ولا غرابة في ذلك؛ فقد ترك ثروة من الشعر والأدب والنقد، جعلتهم يتدارسونها، ويتناولونها بالتحليل العميق، والنقد المنهجي.
وبتأثير بيئته العباسية المتحضرة، وحياته الناعمة بين ردهات القصور، جاء شعره مليئاً بكل ما عايشه من ألوان الحضارة والترف في أسلوب سهل، وعبارات لطيفة، ومعان دقيقة، وخيال خصب، وذوق رفيع. (١)
صفاته
لابن المعتز مجموعة من الصفات تميز بها عن غيره من الشعراء، وهي: (٢)
- صفاته الجسمية: كان ابن المعتز شديد السمرة، مسنون الوجه، يخضب بالسواد.
- صفاته الأخرى: دمث الخلق، لطيف المعشر، كريم النفس، مرهف الحس، ذواق للجمال.
- وفياً كتوماً، صبراً، كثير الفرح والسرور.
- يميل إلى لعب الشطرنج، وإلى حفلات الصيد.
- فيه دعابة خفيفة، ووطأة شديدة على من يتصدى له.
تقافته
شافه فصحاء الأعراب الذين كانوا يترددون الى سُر من رأى في أيامه وكان مجلسه ملتقى الشعراء والعلماء والكتاب تكثر فيه الرواية وتدور المناقشات العلمية والأدبية المفيدة.
إن ثقافة ابن المعتز كانت ثقافة عربية واسعة تناولت مختلف العلوم والمعارف العربية والإسلامية زوده بها أعلام العلم والأدب في عصره.
ومن غير شك أن ابن المعتز لم يقتصر على أولئك الأعلام ولا على ما زودوه به وإنما أخذ يعب من مناهل العلم والمعرفة مما شاع في عصره من حضارات الأمم المختلفة كالفارسية واليونانية مما ترجم في عهده أو العهد السابق له. (٣)
أساتذة ابن المعتز
تربى ابن المعتز على يد مجموعة من الأدباء، منهم: (٤)
- أبا جعفر محمد بن عمران بن زياد الضي النحوي الكوفي.
- أبو الحسن أحمد بن سعيد بن عبد الله الدمشقي، أستاذ ابن المعتز في علوم الدين والأدب.
- أبو علي الحسن بن عليل العنزي، هو من رواة اللغة والأدب في القرن الثالث، وهو أحد رواة الأغاني.
- صاحب الفراء: أبو سعيد محمد بن هبيرة الأسدي النحوي وهو من أعيان الكوفة.
- المبرد: تتلمذ ابن المعتز على يده اللغة العربية.
- أبو العباس ثعلب: أيضا تتلمذ على يده اللغة العربية.
شعره
كان لابن المعتز في القريض المنزلة العالية والمكان الرفيع قال عنه صديقه عبيد الله بن عبدالله بن طاهر "هو أشعر قريش لأنه ليس فيهم من له مثل فنونه، لأنه قال في الخمر والطرد، والغزل والمديح والهجاء والمذكر والمؤنث والمعاتبات، والزهد والأوصاف والمراثي فأحسن فيها جمعيها، وهو حسن التشبيه مليح الألفاظ واسع الفكر"، وخلف ابن المعتز وراءه ديواناً ضخماً ينم عن شاعرية دافقة، صاغ بها ابن المعتز حياته بكل ما تجاذبها من لهو وحزن؛ فتعددت أغراضه وتنوعت، كما يقول رفيقه.
وتضم لشعره أرجوزتاه في ذم الصبوح، وتاريخ الخليفة المتعضد.
ففي أرجوزة ذم الصبوح يخاطب صاحباً له يلومه على الشرب في المساء وينصح له بالشرب في الصباح وهو خلال ذلك يذكر مساوئ الغبوق - الشرب مساء - ويحاول إحصاء فوائد الصبوح - الشرب صباحاً - ثم يقلب ابن المعتز الحوار، إذ يبدأ في جلاء أسباب تفضيله الغبوق على الصبوح، وهي الأسباب التي جعلته يترك الشرب صباحاً.
والأرجوزة تحتوي على زخم من التشبيهات البديعة المرصوفة بأسلوب مرح طريف أما الأرجوزة الثانية التي وضعها في تاريخ المعتضد فهي "أرجوزة يناقش فيها أوضاع الدولة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية قبل المعتضد وبعده، كيف طالتها الفوضى وعمها الفساد قبلاً، وكيف انتشلت من كل ما يحيط بها على يد المعتضد وقد عرض خلال ذلك لصور حية تمثل الجانبين أصدق تمثيل وتؤيده فيما ذهب إليه".
والأرجوزتان من الشعر التعليمي غير أنه لم يسجل لنا الفقه ولا زهديات العصر كما فعل أبان اللاحقي وأبو العتاهية.
بل نظمها ليرى القاريء في أولاهما الرجل السياسي المحنك، الذي يلتقط بنافذ بصيرته صوراً من سياسة الدولة واقتصادها، في حالي التدهور والنهضة قبل وبعد خلافة المعتضد الذي شكل عصره نوعاً من إحياء الأمل.
ثم يصور لقارئه جانباً من جوانبه العابثة المتمثلة في شرب الخمر، التي تجاوز حدود شربها إلى الافتنان فيها وفي زمن تناولها الأنسب، متبعاً كل ذلك بمبررات لا يسوقها إلا خبير بمسالكها ومنعطفاتها. (٥)
وفاته
تخلى عنه أنصاره وتركوه ولم يبايعوه، وهكذا توفي بين يوم وليلة وسنة.
ويقال إنه توفي في سنة ٢٩٦هـ - ٩٠٨م. (٦)
قائمة المراجع:
١- عاشور فرج میلاد محمد، التشخيص في شعر ابن المعتز مجلة العلوم الشرعية، مجلة العلوم الشرعية، العدد ٣، ٢٠١٧، ص ١٠٥-١٠٦.
٢- صنعة أبي بكر محمد بن يحيى الصولي، شعر ابن المعتز، الناشر وزارة الإعلام، بغداد، ١٩٧٨، ص ٦٣-٦٥.
٣- هاجر احمد عبد الجليل، وصف الطبيعة في شعر ابن المعتز، بحث تخرج بكالوريوس، كلية التربية، جامعة بابل، العراق، ٢٠٢٠، ص ٨
٤- محمد عبد المنعم خفاجي، ابن المعتز وتراثه في الأدب والنقد والبيان، ط١، مكتبة الحسين التجارية، ١٩٤٩، ص ٢٥-٢٧.
٥- سحر بنت فيصل بن محمد الصحفي، الشاهد الشعري في كتب طبقات الشعراء بين ابن قتيبة وابن المعتز، رسالة ماجستير، كلية اللغة العربية، جامعة أم القرى، المملكة العربية السعودية، ١٤٢٥هـ، ص ٥٤-٥٦.
٦- محمد مهدي حسن، أ. د. قاسم حسن آل شامان السامرائي، سيرة ابن المعتز العباسي (دراسة تاريخية)، مجلة الملوية للدراسات الآثارية والتاريخية، المجلد ٣، العدد ٦، ٢٠١٦، ص ١١.