بحث عن ابن زيدون: "ذو الوزارتين" وعاشق الأميرة ولادة (بحث شامل)

بحث عن ابن زيدون: "ذو الوزارتين" وعاشق الأميرة ولادة (بحث شامل)

​هل يمكن للحب أن يصنع وزيراً ثم يسجنه؟

في بلاط قرطبة المترف، عاش رجل جمع بين دهاء السياسة ورقة الشعر. هو العاشق الذي خلدت قصائده اسم محبوبته "ولادة"، وهو الوزير الذي تقلب بين نعيم السلطة وظلمة السجن. 

إنه أحمد بن زيدون، الشاعر الذي جعل الطبيعة تبكي لبكائه، وصاغ من دموعه قصائد يتغنى بها العشاق حتى اليوم. في هذا الملف، نفتح كتاب الأندلس لنقرأ سيرة عاشق قرطبة الأول.

الاسم الكامل: أحمد بن عبد الله بن زيدون المخزومي.

اللقب: أبو الوليد / ذو الوزارتين.

المولد: ٣٩٤ هـ (١٠٠٣ م) في قرطبة (حي الرصافة).

الوفاة: ٤٦٣ هـ (١٠٧٠ م) في إشبيلية.

محبوبته: الأميرة الشاعرة ولادة بنت المستكفي.

أشهر أعماله: الرسالة الهزلية / القصيدة النونية (أضحى التنائي).

المهنة: وزير، كاتب، وشاعر.

أبن زيدون

النشأة: سليل العلماء في حي الرصافة


ولد أحمد بن زيدون في قرطبة سنة ٣٩٤ هـ ( ۱۰۰۳ م)، ومات في أشبيلية سنة ٤٦٣هـ (١٠٧٠م). وكان طيلة حياته علماً من أعلام الأدب والسياسة، إذ عرف، أكثر ما عرف بقصائده الغزلية وغرامه الأكبر بولادة سليلة الأسرة التي قضت نحواً من ثلاثة قرون على رأس السلطة في تلك البلاد، كما اشتهر برسائله النثرية، وديباجته المشرقة.


والأديب - الشاعر خاصة - لا ينشأ، ولا يلمع في محيطه من غير تراث، بمعنى أنه يستمد من سابقيه ومعاصريه في هذه الحقول، أيا كان حظه من الإبداع، وأية كانت قدرته على التفرد، فيما ينتج ويعطي.


وثمة ناحية جديرة بأقصى التنبه والاهتمام، وهي أن الوزارة في الأندلس اقترنت بالأدب، كما أوضح الدكتور أحمد ضيف وكان أشهر الكتاب والشعراء وزراء. (١)


كان والده من فقهاء قرطبة وأعلامها المعدودين، وقد ولد الشاعر من أصول عربية علمية في أوائل عام ٣٩٤هـ بالرصافة من أرباض قرطبة، ونشأ في هذه الأسر فسلك طريق العلم وأخذ كثيرا من المعارف والفنون، والذي يقرأ ديوانه يتضح له عمق ثقافته وسعة ما حصل علية من العلوم والفنون، وكانت حياته حافلة بالأفراح والأحزان، تنقل من مدينة إلى أخرى، وصار وزيرا لعدد من أمراء تلك الدول.


تناقلت أخباره أكثر كتب الأدب وذكرت شعره، ومن ذلك ما ذكره المقري (ت ١٠٤١ هـ) من فراره غداة الأضحى وقد ثار به الوجد بمكان يألفه وقد وافاه الفطر، والشقاء قد استولى عليه فأنشد قصيدته التي مطلعها:

      

خليليّ لا فطرُ يسرّ ولا أضحى … فما حال مَن أمسى مشوقا كما أضحى (٢)


مميزات شخصيته: الشاعر الذي حمل هموم عصره


وامتاز ابن زيدون خلال مسيرة حياته بمشاركته الوجدانية للآخرين، إضافة إلى انعكاسات واضطرابات العصر في شعره بالإضافة إلى ما كان يعتري نفسية الشاعر من هموم وأحزان دفينة أثقلت نفسيته فظهرت انعكاساتها جلية على شعره، وبقي ابن زيدون حاملاً هموم عصره، وهموم الآخرين وهمومه، وقد ترك أثراً واضحاً في


الحركة الشعرية العربية قديماً وحديثاً، بدليل أن الدراسات تناولته في أكثر من جانب من جوانب تجربته الشعرية. (٣)


شعره: مرآة الطبيعة والنفس


وكان شعره تعبيرا عن مختلف شؤون الحياة واستجابة لكل الأغراض، فجاءت عباراته سهلة غير مستصعبة في تناوله تلك الفنون كلها ومع أنه بعيد عن عصر الفصاحة ومواطنها إلا أنّ شعره يماثل شعر الرعيل الأول من شعراء العربية، فبسبب نشأته بين علماء عصره محبا للعلم والثقافة استطاع ان يكون جليسا للولاة والامراء بل تقلد الوزارة مرات عدة. (٤)


مميزات شعره


ولعل أبرز ما اتسم به شعر ابن زيدون هو: "حرارة التجربة، وشدّة المعاناة، وصدق الشعور، بالإضافة إلى ما امتاز به دون الشعراء الذين سبقوه حين استطاع بفنّه أن يحمل الطبيعة على مشاطرته ما أحسه من نشوة، وما كابده من آلام". (٥)

أشهر قصائده: "النونية"

تعتبر قصيدته "النونية" (التي تنتهي بحرف النون) من عيون الشعر العربي، ومطلعها:

​أضْحَى التّنَائِي بَدِيْلاً مِنْ تَدانِيْنا ... وَنَابَ عَنْ طِيْبِ لُقْيَانَا تَجَافِيْنَا

وهي القصيدة التي عارضها (قلدها) مئات الشعراء من بعده، لما فيها من صدق العاطفة وجمال الإيقاع.(٦)

ابن زيدون وولادة: قصة الحب الخالدة

​لا يُذكر ابن زيدون إلا وتُذكر معه ولادة بنت المستكفي (ابنة الخليفة الأموي).

كانت قصة حبهما حديث أهل الأندلس؛ فقد كانا يلتقيان في صالونها الأدبي، ويتبادلان رسائل الغرام شعراً.

ولكن، كما هي العادة في قصص الحب العظيمة، دخلت الدسائس بينهما (بسبب منافسه الوزير ابن عبدوس)، فانقلب الحب إلى جفاء، وكتب ابن زيدون في فراقها أروع قصائد الغزل في الأدب العربي، مصوراً لوعته وحنينه لأيام الصفاء في قرطبة. (٧)

الموازنة بین ابن زیدون والبحتري

بحتري الأندلس بين الحقيقة واللقب: هل استحق ابن زيدون المقارنة؟"

"ناقش النقاد بإسهاب لقب "بحتري الأندلس" الذي أُطلق على ابن زيدون، فانقسموا بين مؤيدٍ يرى التشابه في ديباجة اللفظ، وضوح المعنى، والعناية بالصنعة الشعرية، وبين معارضٍ يمثله الدكتور مهدي البصير، الذي يرى أن البحتري يتفوق بدقة التصوير وسعة الخيال، معتبراً أن "سجنيات" ابن زيدون تقربه من أبي فراس الحمداني أكثر، نظراً لتشابه تجربة الأسر والمعاناة. ورغم تأثر ابن زيدون بزخرفات عصره البديعية، إلا أن عبقريته تكمن في صدق عاطفته "السجنية" و"الغرامية" مع (ولادة) بنت المستكفي، حيث تتجلى شخصيته المتألمة والحالمة بعيداً عن مجرد المحاكاة والتقليد." (٨)

نهاية ابن زيدون المأساوية: مؤامرة الحاشية وثأر الابن من القتلة"

"تجسد نهاية الشاعر والوزير ابن زيدون فصلاً درامياً من مؤامرات البلاط الأندلسي؛ حيث استغل خصومه -وعلى رأسهم ابن عمار وابن مارتين- اندلاع فتنة في إشبيلية لإقناع المعتمد بن عباد بإرساله لإخمادها رغم بلوغه السبعين ومرضه الشديد، مما عجل بوفاته عام 463هـ. ولم تنتهِ القصة برحيله، بل خلفه ابنه أبو بكر الذي تولى الوزارة وحمل عبء الثأر لأبيه، متمكناً بذكائه من الإيقاع بالمتآمرين حتى هلكا، مسدلاً الستار بذلك على حياة قامة أدبية وسياسية فريدة لم يجد الزمان بمثلها بياناً وبراعة." (٩)

أسئلة شائعة عن ابن زيدون (FAQ)

س: ماذا يعني لقب "ذو الوزارتين" الذي أطلق على ابن زيدون؟

ج: هو لقب تشريفي رفيع يدل على مكانته السياسية العالية، ويعني أنه جمع بين سلطتين عظيمتين: وزارة القلم (الإدارة والكتابة السياسية) ووزارة السيف (قيادة الجيش والتدبير العسكري).

​س: لماذا سمي بـ "بحتري الغرب"؟

ج: تشبيهاً له بالشاعر العباسي "البحتري" في سلاسة شعره وعذوبة ألفاظه ودقة تصويره، فكأن ابن زيدون هو نسخة البحتري في بلاد الغرب (الأندلس).

​س: هل تزوج ابن زيدون من ولادة؟

ج: لا، لم يتوج حبهما بالزواج. تدخل الوشاة والمنافسون (خاصة الوزير ابن عبدوس) أفسد العلاقة، وانتهت بالفراق الأبدي، وهو ما فجر قريحة ابن زيدون الشعرية.

​س: ما هي "الرسالة الهزلية"؟

ج: هي رسالة نثرية ساخرة كتبها ابن زيدون على لسان "ولادة" يتهكم فيها من منافسه "ابن عبدوس"، وهي تحفة في الأدب الساخر والنقد اللاذع.


​🇪🇸 النونية التي ألهمت "أمير الشعراء"

​لقد خلد ابن زيدون حبه في قصيدته "النونية" الشهيرة (أضحى التنائي).

ولكن القصة لم تنتهِ هنا؛ فبعد قرون طويلة، جاء شاعر مصري عظيم نُفي إلى إسبانيا، فوقف على نفس الأطلال، وكتب قصيدة يعارض فيها ابن زيدون (يا نائح الطلح)، استحق بها لقب "أمير الشعراء" بلا منازع.

​من هو هذا العملاق الذي أحيا مجد الأندلس في العصر الحديث؟

قائمة المراجع: 


١- عبد اللطيف شرارة، شعراؤنا القدامى أبو الوليد، ابن زيدون دراسة ومختارات، ط١، الشركة العالمية للكتاب، بيروت، لبنان، ١٩٨٨، ص ٤٢.


٢- عبير عزيز عليوي خلف الجبوري، الجملة الاسمية في شعر ابن زيدون، أطروحة دكتوراه، كلية التربية للبنات، جامعة تكريت، ٢٠٠٢، ص ١٠.


٣- الختاتنة، حمزة عبد السلام سلام، الخمريات في ديوان ابن زيدون: دراسة موضوعية فنية، المجلة العربية للعلوم ونشر الأبحاث، المجلد ٧، العدد ٣، ٢٠٢١، ص ٦٠.


٤- عبير عزيز عليوي خلف الجبوري، مرجع سابق، ص ١٠.


٥- بشرى بدر إبراهيم، المؤثرات الثقافية في أدب ابن زيدون، أطروحة دكتوراه، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة البعث، ٢٠١٦، ص ٣٤.


٦- د. هيفاء شاكري، شاعر الحب والجمال ابن زيدون (394ھ– 463ھ / 1004م- 1070م)، ص ٨٠-٨١.


٧- ابن زیدون: دیوان ابن زیدون (تحقیق: علي عبد العظیم)، مكتبة نهضة مصر، 1957م، ص ١٢٥-١٣٠.


٨- المرجع السابق نفسه، ص ٨٨-٩١.


٩- د. هيفاء شاكري، مرجع سابق، ص ٦٥.

مكتبة جواد
مكتبة جواد
تعليقات