بحث جاهز عن ابن حوقل
أبو القاسم محمد بن علي ابن حوقل البغدادي ثم الموصلي، رحالة وجغرافي ركز اهتمامه على الخارطة، عاش في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي).
ولد في بغداد، ولم يتوفر عن حياته الكثير من المعلومات، وقد ذكر انه ترك بغداد في رمضان عام ٣٣١ هـ (٩٤٣م)، وتجول في مشرق العالم الاسلامي ومغربه قرابة ثلاثين عاما، وكان الهدف من رحلته دراسة البلاد والشعوب ورسم خرائط توضيحية لها، بالاضافة الى الكسب عن طريق التجارة، وقد شاهد كل ما كتبه عدا الصحراء الافريقية الكبرى التي لم يشاهد منها إلا جزءا قليلا. (١)
أصله
ويذكر كراتشكوفسكي أن أصله من نصيبين بالجزيرة وهدفه فضلا عن التجارة: التحقق بنفسه من أقوال الجغرافيين الذين قرأ مصنفاتهم، وربما كان في الحقيقة داعيا سياسيا، وانتظم تجواله في أفريقيا الشمالية والأندلس وزار نابلي وبالرمو وعرف العراق وايران وجزء من الهند، وتبرز ميوله السياسية عند حديثه عن أهل الأندلس في العصر الأموي حيث يقدم صورة سلبية عن شجاعتهم ونظامهم الحربي والإداري، وقد ابدى دهشته في احتفاظهم باستقلالهم دون ان يخضعوا، لحاكم من حكام المشرق الإسلامي، مما شجع المستشرق الهولندي دوزي على اتهامه بأنه جاسوس للفاطميين واعتبره ليفي بروفنسال من عملاء العباسيين او الفاطميين.
ولا يمكن قبول هذه التهمة لأن ابن حوقل لم يقتصر على الجوانب السلبية عند حديثه عن الاندلس، وإنما ذكر كثيرا من الجوانب الايجابية، مما يدل على موضوعيته وصدقه عند الحديث عن أي ظاهرة جغرافية. (٢)
رحلاته
بدأ ابن حوقل رحلاته في سنة ٣٣١هـ، حيث جاب أولاً قطره: العراق، ثم عرج على إيران، ومنها إلى بلاد الهند، ثم عاد، فاتجه إلى بلاد العرب، وتحديداً الأحساء، ثم إلى بلاد الشام، ثم مصر.
ويتم بعد ذلك وجهه نحو غربي الدولة الإسلامية، فزار بلاد المغرب، وبلاد السودان الغربي، ثم الأندلس، ثم قام أخيراً بزيارة لجزيرة صقلية إبان وجود المسلمين بها حدود سنة ٣٦٢هـ. (٣)
كتابه (صورة الأرض)
اعتمد ابن حوقل في تأليف كتابه صورة الأرض على كتاب للجغرافي الاصطخري، الذي عاش في القرن العاشر الميلادي.
ويذكر فيليب حتى أن الاصطخري كان قد طلب من ابن حوقل مراجعة خرائط كتاب الجغرافيا الذي وضعه الأول وأسلوبه.
ويبدو أن ابن حوقل أعاد صياغة الكتاب برمته، وأصدره باسمه بعد إدخال بعض التعديلات والتغييرات عليه، وبعد أن اسماه المسالك والممالك وهو الكتاب المعروف لنا باسم صورة الأرض ايضا. (٤)
مزايا خرائط ابن حوقل
إن خرائط ابن حوقل تتميز بالمميزات التالية: (٥)
- وضع الشمال عند أسفل الخريطة مجاراة للتقليد العربي الجاري آنذاك، مع بقاء الخريطة محتفظة بصحتها.
- رمز للاتجاهات بكتابة اسمائها الأربعة وهو الشمال والغرب والجنوب والشرق وهو تقليد في رسم الخرائط العربية القديمة على خلاف العادة الجارية في الوقت الحاضر، بوضع رمز يشير الى اتجاه الشمال فقط، ومنه تعرف الاتجاهات الباقية، دون الحاجة للاشارة اليها.
- لكل خريطة عنوان يحمل اسم المنطقة التي تمثلها الخريطة، ولم يراع عند كتابة الكلمات داخل الخريطة أن تكون مع مستوى النظر لسهولة قرائتها، وهذا يتطلب تقليب الخريطة بعدة اتجاهات، وقد يكون ذلك نوعا من أنواع الفن المستعمل لتزيين الخريطة وتجميلها آنذاك.
- استعمل الألوان في رسم الخرائط. وقد ورد نص في خريطة خراسان يؤكد ذلك حيث ذكر قرب نهر جيجون ما يلي «وقد تقدم ذكر هذا الرمل وكيفية انبساطه على وجه الأرض واتصال بعضه ببعض واختلاف ألوانه وأصباغه وهو بهذه الناحية بهذا اللون»، ولم ترد أي إشارة في الكتاب عن ذلك، ويبدو أن التلوين كان من صميم عمل الخرائط العربية دون الحاجة الى ذكر ذلك.
- الخرائط مرسومة بناء على الاجتهاد الشخصي المستند على السمع والاستفسار والمشاهدة، واتخذ المواقع مراكز لتعيين الاتجاهات مما مكنه من رسم خرائط صحيحة الاتجاه والموقع، وان التحديد الصحيح لهذه الأماكن يدل على الوضوح العلمي لدى ابن حوقل.
- لم تستعمل الخرائط مقياس الرسم كما تحويه الخرائط الحديثة، واقتصر دور الخريطة على توضيح الموقع الصحيح والاتجاه الصحيح، أما المسافات فيحويها متن الكتاب، وقد حاول بقدر الامكان ان تكون هذه المسافات صحيحة حتى تخدم المسافرين.
- لم تعتمد الخرائط على أساس فلكي من حيث تقسيم الاقاليم السبعة.
- المعروفة سابقا، او استعمال المسقط الأسطواني البسيط الذي استعمله الجغرافيون العرب الذين سبقوه وإنما اعتمدت على اساس اقليمي جديد بأفراد خريطة لكل منطقة، بحيث لا يمكن الاستغناء عن الخريطة لفهم المتن الموجود، او الاستغناء عن المتن لفهم ما موجود بالخريطة، لان الخرائط صممت على أساس المعلومات الموجودة في الكتاب، وهو أسلوب علمي حديث.
- لا تكمل الخرائط بعضها بعضا، أي أننا لا نستطيع ان نجمع. خرائط أقاليم الإسلام مع بعضها لتحصل على خريطة واحدة تمثل المنطقة التي يغطيها الكتاب.
- الإشارات التي وضعت للمدن اتخذت شكل مربع يكون في أحد أضلاعه جزء صغير مقعر نحو الداخل، ويكون كبر المربع وصغره يوضح كبر المدينة وصغرها.
- طرق المواصلات رسمت بشكل خطوط مستقيمة بين المدن، واتخذ مدينة مركزية تتشعب منها كل الطرق في المنطقة.
- الجبال رسمت بشكل أنصاف دوائر، وإذا كانت بشكل سلاسل فإنها ترسم كذلك بشكل أنصاف دوائر تلتقي عند المركز، وصغر هذه. الاقواس او كبرها يمثل ضخامة الجبال وارتفاعها.
- اتخذت البحيرات اشكال مختلفة بين مستطيل او مثلث او دائري غير منتظم.
- الحدود توضح بكتابة كلمتين مثل حد العراق او حد الجزيرة، وتحيط كتابة هاتين الكلمتين بالمنطقة المراد تحديدها، وتمتد كلمة حد على أغلب المنطقة، حيث تكتب بشكل خط طويل بين حرفي الحاء والدال (حد) يغطي اغلب الحدود.
- رسمت الانهار بشكل خطوط مزدوجة تلتقي عند المنبع، وتبقى مفتوحة عند المصب، وهناك فرق بين الانهار الصغيرة والكبيرة، او بين فروع النهر والمجرى الرئيسي وهو ما جرت عليه العادة في الوقت الحاضر عند رسم الخرائط، وترسم الوديان مثل الانهار بشكل خطين ولكن متصلين من الطرفين عند المنبع والمصب.
وفاته
لم تعرف سنة وفاته بالتحديد، لكن الزركاني ذكر في كتابه الأعلام أن ابن حوقل توفي بعد سنة ٣٦٧هـ، أي أنه توفي في القرن الرابع الهجري. (٦)
قائمة المراجع:
١- فلاح شاكر اسود، خرائط ابن حوقل في كتابه صورة الأرض، مجلة الآداب - جامعة بغداد، العدد ٢٦، ١٩٧٩، ص ٦٢١.
٢- المرجع السابق نفسه، ص ٦٢٢.
٣- د. یوسف بن أحمد حواله، ابن حوقل ورحلاته الجغرافية للجناح الغربي من الدولة الإسلامية، رسائل جغرافية ١٤٢، ١٩٩٢، ص ٤.
٤- هشام سخنيني، صورة الأرض او المسالك والممالك للرحالة ابن حوقل، مجلة العربي، العدد ٣٥٣، ١٩٨٨، ص ١٩١.
٥- فلاح شاكر اسود، مرجع سابق، ص ٦٧٢-٦٧٣-٦٧٤.
٦- لطيف كامل كليوي الجابري، هدى عيدان جبار الربيعي، المدن العراقية في كتاب (صورة الأرض) لابن حوقل دراسة في الفكر الجغرافي، مجلة آداب الكوفة، المجلد ٢٠٢٠، العدد ٤٢، ٢٠٢٠، ص ٥٦.
تعليقات
إرسال تعليق