العباس بن مرداس، حياته، وشعره

العباس بن مرداس، حياته، وشعره

العباس بن مرداس بن أبي عامر، شاعر مخضرم من شعراء سليم وأشرافهم أحد فرسان الجاهلية وشعرائها المذكورين، لمع اسمه في قبيلته سليم، كما ذاع ذكره في قبيلته الكبرى قيس عيلان، وكان لهاتين القبيلتين أثر واضح في نفسه وفي شعره.

حفظت كتب الأنساب نسبه فذكرته أنه: العباس بن مرداس بن ابی عامر بن رفاعة وقيل جارية بن عبد بن عبس بن رفاعة بن الحارث - ابن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان ابن مضر. 

العباس بن مرداس، حياته، وشعره


وكنيته أبو الهيثم وقيل أبو الفضل. (١)


مولده


اكتنف الضياع أخبار العباس وسيرته ولف صفحات حياته بملاءة سوداء قائمة ألقت بظلالها على الكثير من جوانب حياته. 


وهو بهذا لا يختلف من الكثير من معاصريه من الجاهليين والإسلاميين لأن القدماء لم يلتفتوا لهذا الأمر ولم يعيروه أهمية تذكر فلم ينصب اهتمامهم على فتى من الفتيان إلا عند ما ينبغ أو يشتهر بفن من الفنون كأن يصبح شاعرا أو أديبا أو ملكا أو غير ذلك.


وكان من نتائج هذا التعتيم الذي خيم على حياته أن جهلنا مولد الشاعر ولم يقتصر الأمر على هذا الحد بل إننا لا تعرف من نشأته الأولى شيئا يذكر فغابت عن طفولة الشاعر وأوليات شعره، فنحن عرفنا العباس أول ما عرفناه شاعرا فارسا قد اكتملت شخصيته ونضج عوده يخرج مع قومه غازيا ويقف معهم مدافعا إذا ما أصابهم شر أو ألم بهم مكروه.


وإذ لم يحفل القدماء بتحديد سنة ولادته إلا أن أحدا من المحدثين قام بافتراض سنة يحدد فيها سنة ميلاده، فقد ذهب بلاشير إلى أن ولادته كانت عام (٥٧٠م)، وهذا التحديد يحظى بشيء من الصحة نظرا للدلائل والقرائن التي تشير إلى كبر العباس في الجاهلية وقد يزيد أو ينقص قليلا ما دام أنه قائم على الاجتهاد والافتراض، لذلك لا يغني من معرفة ميلاده الحقيقي الذي بقي مجهولا وأسيرا في ذمة الزمن. (٢)


صفاته


من صفات العباس بن مرداس الحميدة أنه حرَّم الخمر في الجاهلية على نفسه، فيروى أنه قيل له: ألا تأخذ من الشراب فإنه يزيد في قوتك وجراءتك؟ قال: لا أصبح سيد قومي وأمسي سفيهها، لا والله لا يدخل في جوفي شيء يحول بيني وبين عقلي أبداً. (٣)


ذرية العباس بن مرداس


أما ذرية العباس، فله من الولد جاهمة بن العباس بن مرداس له صحبة وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث ومن نسل جاهية هذا عبد الملك وهارون ابنا حبيب بن سليمان بن هارون بن جاهمة...


ومن ولد العباس: أبي بن العباس، روى عنه أبو عبيدة .. وسعيد بن العباس، ومن ذرية سعيد بكار بن أحمد بن بكار بن عبدالله ابن سعيد بن العباس، محدث عابد مات بمصر وللعباس أولاد غيرهم منهم عبيد الله وآخرون أشار ابن حزم إليهم في قوله (وغيرهم). 


وفي معجم الشعراء قصيدة العباس بن أنس بن عباس بن مرداس، يرني فيها عبدالله بن خازم.. ولا يلزم أن يكون كل اولئك ابناء العباس فقد يراد انهم ابناء ابنائه، ومن ذريته. (٤)


إسلامه


أسلم قبل فتح مكة بيسير، وكان العباس فارساً شجاعاً شاعراّ شديد العارضة والبيان سيداً في قومه من كلا طرفيه. (٥)


شعره


لم تحفظ لنا الأيام الكثير من شعر العباس، فقد ضاع جزء كبير منه بضياع ديوانه ومع هذا نجده شاعرا متنوع الأغراض، فقد نظم في معظم فنون الشعر المعروفة في الحجر الجاهلي من فخر وهجاء ورثاء ومديح وغزل وله شعر في الإنصاف والحكمة والمثل والنقائض.


وتتفاوت هذه الأغراض في غناها وكثرتها تبعا لقربها من نفسه وشخصه كما هو شأن الفخر الذي استحوذ على عصارة فنه وبديع قوله وذلك نابع من اعتداده بنفسه وشخصه واستعلائه بقومه وقبيلته ومنها ما كان وليد الظروف السياسية والاجتماعية المعيشة التي فرضت نفسها عليه كما هو شأن الهجاء والنقائض ومنها ما كان تعبيرا من مبدئه في الحياة وانعكاسا لطبيعة نفسه وأخلاقه كما هو الأمر بالنسبة لشعر الإنصاف والحكمة ومنها ما كان مجاراة للتقاليد الفنية السائدة في الوقوف على الأطلال والغزل في افتتاح قصائدهم، أما الخمرة فلم تنل منه إلا الهجاء والعزوف عن ذكرها في شعره. (٦)


وفاته 


أما وفاته فلم يذكر احد ممن ترجم له سنة بعينها، وإن كان ابن حجر يشير مترددا الى أنه مات في خلافة عثمان بن عفان.


والعباس من رواة الحديث المقلين، فقد عده ابن حزم من أصحاب الأربعة أي الذين رووا أربعة أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه، وقد روى عنه ابنه كنانة وروى عنه عبدالرحمن بن أنس وسلم السلمي.


وحين مات العباس رثته أخته عمرة بنت مرداس بأبيات ذكرها صاحب الحماسة جاء فيها:


أعيني لم اختلكما بخيانة … أبي الدهر والايام أن تتصبرا


وما كنت أخشى أن أكون كأنني … بعير إذا ينعي أخي تحسرا


ترى الخصم زورا عن أخي مهابة … وليس الجليس عن أخي بأزورا (٧)


قائمة المراجع:


١- د. يحيى الجبوري، دیوان العباس بن مرداس السلمي، سلسلة كتب التراث، وزارة الثقافة والإعلامية مديرية الثقافة العامة، المؤسسة العامة للصحافة والطباعة، دار الجمهورية، بغداد، ١٩٦٨، ص ١.


٢-  محمد ساري عبد رشيد الديك، العباس بن مرداس السلمي حياته وشعره، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة الكوفة، ١٩٩٦، ٢٤.


٣- هاني بن حمد بن عسيل الجهني، الصورة الفنية في شعر العباس بن مرداس السلمي (رضي الله عنه) دراسة نقدية، رسالة ماجستير، كلية اللغة العربية، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، ١٤٣٦هـ، ص ١٣-١٤.


٤- د. يحيى الجبوري، مرجع سابق، ص ٤-٥.


٥- هاني بن حمد بن عسيل الجهني، مرجع سابق، ص ١٢.


٦- محمد ساري عبد رشيد الديك، مرجع سابق، ص ٥٧.


٧- د. يحيى الجبوري، مرجع سابق، ص ١٩.


مكتبة جواد
مكتبة جواد
تعليقات