بحث حول الأزمات المالية مع المراجع
أولا:- مفهوم الأزمات المالية:- يرجع أصل كلمة أزمة (Crisis) إلى الكلمة الإغريقية (KILL∑i∑) وتعني القرار(١). أما مفهومها باللغة الصينية فإنها تجمع بين معنيين هما الفرصة والصعوبة، أما الفرصة للتغيير والنمو أو الخطر للتراجع والركود(٢).
وهناك مَنْ عرّف الأزمة على أنها ((نقطة التحول من الوضع الحسن إلى الوضع السيئ للنظام))(٣).
وكذلك حددها عدد من المختصين بأنها اضطراب مفاجئ يطرأ على التوازن الاقتصادي في بلد ما أو عدة بلدان، وهي تطلق بصفة خاصة على الاضطراب الناشئ عن اختلاف التوازن بين الإنتاج والاستهلاك، والأزمة أما أن تكون عنيفة أو بطيئة، وقد تكون محلية يقتصر أثرها على بلد أو دولة أو تكون عامة شاملة لعدة دول أو العالم بأسره، وتعرف أيضا بأنها توقف في ارتفاع الأسعار للسلع والخدمات(٤).
إذ تمثل الأزمة أكثر الأشياء ( الوقت الصعب أو الخطر والقلق المرتبطين بالمستقبل)(٥).
يُنظر إلى مفهوم الأزمة من عدة جوانب واتجاهات، إذ يمكن عد الأزمة ظاهرة وبهذا المعنى تعرف نتائجها أو مظاهرها كانهيار بورصة، مضاربات نقدية كبيرة ومتقاربة، أو بطالة دائمة مثلاً.
أو قد ينظر إلى الأزمة كمفهوم بحت كما في المنظوم الماركسي، جراء التناقضات في نظام الإنتاج الرأسمالي، إذ يرى ماركس الأزمة بأنها أمر حتمي ومستمر في هذا النظام.
حيث تعرف الأزمة بمفهومها الاقتصادي بأنها انقطاع دوري يحصل في عملية الإنتاج، وهذا الانقطاع يمثل في انكماش القوى الإنتاجية المستخدمة الأمر الذي يؤدي إلى نقص الاستهلاك النهائي ونقص في الاستثمار المنتج، في الوقت الذي توجد فيه حاجات اجتماعية وفردية غير مشبعة.
وعُرِفت الأزمة المالية (( بأنها تلك الاضطرابات التي تؤثر كليا أو جزئيا على مجمل المتغيرات المالية مثل أسعار الأسهم والسندات، الودائع المصرفية وأسعار الصرف، وهنالك مفهوم آخر للازمة المالية على انه اضطراب مفاجئ وحاد في بعض التوازنات الاقتصادية يتبعه انهيار في عدد من المؤسسات المالية وتمتد آثار هذه الأزمة إلى قطاعات اقتصادية أخرى ومع استمرار تداعيات هذه الأزمة على هذه القطاعات قد تتحول إلى أزمة اقتصادية كما حدث بالأزمة الاقتصادية لعام 1929(٦).
كما عرفت الأزمة المالية على أنها الانخفاض المفاجئ في أسعار نوع أو أكثر من الأصول، والأصول هذه قد تكون رأس مال مادي يستخدم في العملية الإنتاجية مثل (الآلات والمعدات والأبنية) أو قد تكون أصول مالية مثل حقوق الملكية لرأس المال المادي وللمخزون السلعي، مثل حسابات الأسهم أو مشتقات مالية ومنها العقود المستقبلية كالنفط أو العملات الأجنبية، فإذا انهارت قيمة أصل من الأصول فإن ذلك يعني انهيار وإفلاس قيمة المؤسسات التي تملكها فمثلا حصول انهيار مفاجئ في سوق الأسهم, فإن الأثر بعد ذلك سيمتد إلى باقي الاقتصاد(٧).
وعرفها سمير عباس بأنها توقف الأحداث المنظمة والمتوقعة واضطراب العادات والعرف مما يستلزم التغيير السريع لإعادة التوازن لتكوين عادات جديدة أكثر ملائمة، وأنها اضطراب حاد ومفاجئ في بعض المتغيرات الاقتصادية ينتج عنه انهيار في عدد من المؤسسات المالية والمصرفية ثم إلى باقي القطاعات الاقتصادية الأخرى(٨).
وتٌعرفّ بأنها تدهور أو انخفاض في طلب المستثمر على الأصول المالية، التي تبوأت دورا هاما في الاقتصاد القومي، والانخفاض الناتج عن ذلك في سعر الأصل يقلل من النشاط الاقتصادي الكلي مباشرتا، من خلال تأثيره على قرارات المستهلكين الأفراد والشركات، وبشكل غير مباشر من خلال تأثيره على أسعار باقي الأصول الأخرى والموازنات المالية للوسطاء الماليون مثل البنوك(٩).
نخلص إلى إن الأزمة المالية هي التدهور الحاد في الأسواق المالية للدولة أو مجموعة من الدول والتي من ابرز سماتها فشل النظام المصرفي المحلي في أداء مهامه الرئيسية والذي ينعكس في تدهور كبير في قيمة العملة وفي أسعار الأسهم لأهم الشركات الصناعية في السوق، وما لها من آثار سلبية على قطاع الإنتاج والعمالة وما ينجم عنها من إعادة توزيع الدخول والثروات فيما بين الأسواق المالية الدولية.
ثانياً:- أنواع الأزمات المالية
يمكن التمييز بين مجموعة من أشكال الأزمات المالية، حيث توجد الأزمات المصرفية وأزمات العملة وأزمة أسعار الصرف وأزمات الأسواق المالية، وكما يلي :-
أ- الأزمة المصرفية
تحدث هذه الأزمة عندما يواجه بنك ما زيادة كبيرة ومفاجئة في الطلب على سحب الودائع، فبما أن البنك يستخدم نسبة كبيرة من هذه الودائع في عمليات الإقراض والتشغيل، ويحتفظ بنسبة من هذه الودائع لتلبية طلبات السحب اليومية، ويواجه البنك أزمة مصرفية حقيقية عندما يواجه هذا النوع من الارتفاع والمفاجئ والتزايد الكبير في الطلب على سحب الودائع والتي تتجاوز النسبة المعتادة للسحب، وبالتالي يحدث أزمة سيولة لدى البنك، وعندما تتفاقم هذه الأزمة وتمتد إلى البنوك الأخرى فان هذه الأزمة تصبح أزمة مصرفية.
وليس بالضرورة أن تكون الأزمة المصرفية هي أزمة سيولة، فهذه الأزمة قد تكون أزمة ائتمان وتحدث هذه الأزمة عندما تمتنع البنوك من إعطاء القروض, ومنحها للزبائن رغم توافر الودائع لديها؛ تخوفا من عدم القدرة على تلبية طلبات السحب، وبالتالي تحدث أزمة في الإقراض(١٠).
ب- أزمة العملة وأسعار الصرف
يحدث هذا النوع من الأزمات عندما تحصل إحدى هجمات المضاربة على عملة بلد ما, مما يؤدي إلى تخفيض قيمتها، أو هبوط حاد فيها، أو ترغم البنك المركزي للدفاع عن العملة، ببيع جزء من احتياطاته أو رفع سعر الفائدة بنسبة كبيرة(١١).
إن هذه الأزمة تنجم عن حدوث تغيرات كبيرة وسريعة في أسعار الصرف بشكل يؤثر على قدرة العملة على أداء مهمتها كمخزن للقيمة أو كوسيط للتبادل، لذلك تسمى هذه الأزمة أيضا بأزمة ميزان المدفوعات، وتحدث هذه الأزمة عندما تقوم السلطات النقدية باتخاذ قرارات تقضي بخفض سعر العملة نتيجة عمليات المضاربة, وبالتالي قد تؤدي لانهيار سعر تلك العملة.
ت- أزمة أسواق المال"حالة الفقاعة"
تحدث الأزمات في الأسواق المالية نتيجة ما يعرف اقتصاديا بظاهرة الفقاعة، والتي تحدث عندما يرتفع سعر الأصل بشكل يتجاوز قيمتها العادلة نتيجة شدة المضاربة، ويكون الهدف من شراء الأصل هو الربح الناتج عن ارتفاع سعره وليس بسبب قدرة الأصل على توليد الدخل، ولكن بمجرد عودة أسعار الأصول إلى قيمتها الحقيقية يحدث الانهيار وتصل إلى أدنى مستوياتها، ويرافق ذلك حالات من الذعر والخوف فيمتد أثرها نحو أسعار الأصول الأخرى سواء في نفس القطاع أو في القطاعات الأخرى(١٢).
ث- أزمة الديون
تحدث أزمة الديون عندما يتوقف المقترض عن السداد أو عندما يعتقد المقرضون أن التوقف عن السداد ممكن الحدوث، ومن ثم يتوقفون عن تقديم قروض جديدة، ويحاولون تصفية القروض القائمة، وقد ترتبط أزمة الديون بقرض تجاري(خاص) أو بقرض سيادي (عام)، وتؤدي المخاطر المتوقعة بأن يتوقف القطاع العام عن سداد التزاماته، إلى تراجع حاد في تدفقات رأس المال الخاص, والى حدوث أزمة الصرف الأجنبي، ومن أمثلة ذلك أزمة المديونية لعام 1982 في بلدان أمريكا اللاتينية، وفي الوقت ذاته كان حجم القروض الموجهة إلى البلدان النامية بحوالي 27% خلال تلك الفترة, وبالتالي وبسبب التوظيف السيئ للرأسمال المصرفي الدولي والارتفاع المتوالي لأسعار الفائدة، أدى ذلك إلى إرهاق كاهل الاقتصاديات النامية التي تحولت اعتبارا من سنة 1982. حيث تعتبر هذه السنة هي سنة انفجار أزمة المديونية(١٣).
ج- أزمة السيولة الدولية
وتعرف أيضا بأزمة شح السيولة الدولية، وهي تنتج عن عدم الاتساق أو التوافق بين آجال استحقاق الأصول والخصوم الدولية لهذا النظام، فإذا عجزت أصول البلد المقومة بالعملة الأجنبية قصيرة الأجل عن تغطية خصومه والتزاماته قصيرة الأجل المقومة بالعملة الأجنبية فإن النظام المالي يفقد سيولته الدولية ويصبح عاجزا عن التصدي لأي صدمة خارجية. يرى كثير من الاقتصاديون أن أزمة شيلي عام 1982 وأزمة المكسيك عام 1994 والأزمة المالية الأسيوية عام 1997 تتسم جميعها بفقدان النظام المالي لسيولته الدولية، الأمر الذي يخلق أزمة ثقة ويدفع إلى سيادة الذعر المالي(١٤).
ثالثا:- أسباب الأزمات المالية العالمية
هنالك جملة من الأسباب والظروف التي تضافرت وتشابكت لإحداث معظم الأزمات المالية التي عرفها الاقتصاد العالمي، منها ما يتعلق بمستوى الاختلالات على المستوى الكلي، ومنها ما يتعلق بالاختلالات على المستوى الجزئي واضطرابات القطاع المالي وضعفه، وعدم ملائمة نظام الصرف الأجنبي، ويمكن بيان أهم الأسباب كما يلي:-
1- عدم استقرار الاقتصاد الكلي
يعدّ توفير بيئة سليمة للاقتصاد الكلي أحد أهم العناصر الأساسية لنظام مالي سليم، وعليه فان عدم استقرار السياسات الاقتصادية يؤدي إلى اختلال مالي والى حدوث العديد من الأزمات المالية، فمثلا تودي السياسات النقدية والمالية التوسعية إلى انتعاش النشاط الاقتصادي بشكل كبير، والى حدوث تراكم في الديون نتيجة الاقتراض، مع الإفراط في الاستثمار في القطاعات غير المنتجة كقطاع العقار، مؤدية بذلك إلى ارتفاع أسعار الأسهم والعقارات، ومن جهة أخرى فإن تقييد السياسات المالية والنقدية تؤدي إلى التقليل من مخاطر التضخم, والتقليل من اختلال الميزان الخارجي، والذي يؤدي إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي، والى صعوبة خدمة الدين التي تؤدي إلى تزايد نسبة الديون المعدومة التي تهدد البنوك بالإفلاس. وهنالك جملة من التقلبات التي تحدث بالاقتصاد والتي تؤدي إلى عدم استقرار في الاقتصاد الكلي ومنها:-
أ- تقلبات شروط التبادل التجاري:- أن حدوث الصدمات في شروط التبادل التجاري، وارتفاع معدلات الفائدة الدولية يؤدي إلى عدم الاستقرار المالي وانخفاض في مدخلات الدولة والمؤسسات المقترضة وبالتالي يؤدي إلى عدم قدرة الأخيرة على تحمل مسؤولية التزاماتها المالية الداخلية والخارجية، وبالتالي حدوث مشاكل خدمة الدين وتراكم القروض غير المنتجة وهذا يؤدي إلى حدوث أزمة مالية(١٥).
ب- التقلبات في أسعار الفائدة:- إنّ التقلبات الكبيرة في أسعار الفائدة العالمية واحدة من أهم العناصر المسببة للأزمات المالية وخاصة في الدول النامية، فالتغيرات الكبيرة في أسعار الفائدة لا تؤثر فقط على تكلفة الاقتراض، بل أنها تؤثر على تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الدول النامية ودرجة جاذبيتها، فحوالي 50% إلى 67% من تدفقات رؤوس الأموال من والى الدول النامية خلال عشرية التسعينيات من القرن العشرين، كان سببها المباشر التقلبات العالمية في أسعار الفائدة(١٦).
ت- التقلبات في أسعار الصرف وارتفاع معدلات التضخم:- بقيت أسعار الصرف منذ انهيار نظام (بريتون وودز) دون أي غطاء ذهبي، وأعطيت الدول في النظام النقدي الجديد حرية تعوم أو إدارة أو تثبيت عملتها مقابل عملة دولية رئيسية أو سلة من العملات الرئيسية. ولجاءت معظم الدول المتقدمة في أعقاب فترة وجيزة من التعويم الحر اتسمت بعدم استقرار في أسعار الصرف الأجنبي، إلى التعويم المدار والذي يسمح لسلطاتها النقدية بالتدخل المحدود في أسواق صرفها للحيلولة دون حدوث تغيرات كبيرة في أسعار صرفها، في المقابل فإن غالبية الدول النامية بما فيها عدد كبير من الدول العربية قد اختارت تثبيت عملتها مع الدولار الأمريكي، الأمر الذي أدى إلى ربط مستويات التضخم وأسعار الفوائد فيها مع تلك السائدة في السوق الأمريكي، وعلى هذا الأساس فإن أي أزمة مالية في الولايات المتحدة تقود إلى سحب استثمارات من هذه الأقطار لتتوطن في دول أخرى ذات عملات معومة أو لتعويض النقص الناجم عن الخسائر المتحققة في هذه الدول(١٧).
حيث ووفقا لذلك يعتبر سعر الصرف أحد أهم الاضطرابات على المستوى الكلي وأحد الأسباب الرئيسية لحدوث الأزمات المالية، كما أن التقلبات الكبيرة في سعر الصرف للعملات الأساسية يمكن أن تكون مكلفة إلى أقصى حد, ليس للبلدان المعنية بالأمر بشكل مباشر بل أيضا لباقي بلدان العالم, وبالتالي لابد من إيجاد إطار للتعاون الدولي لتحقيق نوع من الاستقرار في سعر الصرف، أما على مستوى التقلبات في معدلات التضخم، فقد اعتبر الركود الاقتصادي الناتج عن ارتفاع مستويات الأسعار سببا مباشرا في حدوث الأزمات المالية، كما أن هنالك آثار سلبية أخرى على مستوى النمو في الناتج المحلي والتي كان لها دور هام في التمهيد لحدوث الأزمات المالية.
2- هشاشة القطاع المالي
يمكن القول بأن التوسع الكبير في عمليات إقراض البنوك وانهيار أسعار الأصول المالية التي عادة تسبق الأزمات المصرفية، فيلاحظ أن عدم التخير الكافي للتحرر المالي في الثمانينيات والتسعينيات وصغر حجم القطاع المالي وضعف الأطر المؤسسية والقانونية والتنظيمية والذي رافقه تدفق كبير لرؤوس الأموال الأجنبية مع توسع في منح الائتمان غير المدروس قد ساهمت في حدوث العديد من الأزمات المالية في الدول المتقدمة ويرجع ذلك إلى عدم الموائمة بين حجم الأصول وحجم الالتزامات للمؤسسات المالية وكذلك عدم التحضير الكافي للتحرر المالي, والتدخل الحكومي في تخصيص الائتمان(١٨).
وبالتالي يمكن القول أن التوسع في منح القروض يؤدي إلى حدوث مشكلة عدم التلاؤم والمطابقة بين أصول وخصوم البنوك، إذ إن أغلب الدراسات بينت أن الأزمات المالية حدثت نتيجة التحرر المالي، فحررت بعض البلدان سياستها اتجاه الأسواق المالية الدولية وتدفقات رأس المال الدولي على نحو كافٍ دون تعزيز قطاعها المالي.
3- تشوه نظام الحوافز
لا يتأثر ملاك المصارف والإدارات العليا فيها ماليا من جراء الأزمات المالية والتي ساهموا في حدوثها، فلا يتم مثلا إنهاء خدمات العاملين في المصارف أو تحميلهم الخسائر التي حدثت من جراء الأزمة، وخصوصا عند تعرض المصارف لمخاطر كبيرة، كما دلت التجارب العالمية على أن الإدارات العليا في المصارف مع قلة خبرتها، كانت من الأسباب الأساسية للأزمات المصرفية، وأن عملية تعديل هيكل المصرف وتدوير المناصب الإدارية لم تؤدي إلى تفادي الأزمات أو الحد من أثارها؛ لأن الفريق الإداري نفسه ظل في موضع اتخاذ القرار. كما دلت التجارب أيضا على أن الإدارات العليا نجحت في إخفاء الديون المعدومة للمصارف لسنوات عديدة، وذلك نتيجة ضعف الرقابة المصرفية من ناحية وضعف النظم المحاسبية من ناحية أخرى(١٩).
رابعا:- الإطار التاريخي للأزمات المالية
شكل تكرار الأزمات المالية وخصوصا في الدول النامية خلال التسعينيات ظاهرة مثيرة للقلق والاهتمام, وترجع أسباب ذلك إلى إن أثارها السلبية كانت حادة وخطيرة، هددت الاستقرار الاقتصادي والسياسي للدول المعنية، أضف إلى ذلك انتشار هذه الآثار وعدوى الأزمات المالية لتشمل دولاً نامية وأخرى متقدمة؛ نتيجة للانفتاح الاقتصادي والمالي الذي تشهده هذه الدول ولاندماجها في المنظمة العالمية للتجارة، وتشير تقارير صندوق النقد الدولي إلا أنه خلال الفترة (1999-1980 ) تعرض أكثر من ثلثي الدول الأعضاء في الصندوق إلى لأزمات مالية واضطرابات مصرفية حادة، كما أن وتيرة تلك الأزمات تكررت على التوالي عالميا، فشملت دول شرق أسيا وروسيا والبرازيل والأرجنتين والمكسيك وبقية دول أمريكا اللاتينية، وزادت حدة الأضرار الناجمة عنها حيث قدرت خسائر اليابان مثلا في الأزمة الأسيوية الأخيرة بحوالي 15% من ناتجها الإجمالي، في حين قدرت خسائر الولايات المتحدة الأمريكية بحوالي 03% وأكدت تقارير مختلفة أن أكثر من 50% من تلك الأزمات حدثت في الدول النامية وفي الدول ذات الأسواق الناشئة، مما يؤكد الحاجة إلى تحسين مستوى الرقابة المصرفية في تلك الدول، وكما وشهد الاقتصاد العالمي في سنة 2008 أزمة مالية حقيقية عصفت باقتصاديات الدول المتقدمة والنامية على حد سواء. فيما يلي سنحاول عرض بعض الأزمات المالية التي تميزت بسرعة انتشارها وتباين أسباب حدوثها:-
أ- أزمة عام 1929
أوضح كينز إلى أن الركود أو الكساد العظيم الذي بدأ في الولايات المتحدة في عام 1929 سببا لانهيار سوق الأسهم، حيث شهدت العلاقات النقدية والمالية الدولية استقرارا نسبيا بعد تجاوز الأزمة التي اجتاحت معظم دول العالم خلال فترة الحرب العالمية الأولى، ومع استمرار ارتفاع أسعار الأوراق المالية ببورصة نيويورك منذ عام 1924 على مدى خمس سنوات متتالية وصلت إلى أعلى مستوى لها في 28 أكتوبر 1929 حيث سجل مؤشر داو جونز ارتفاعا كبيرا إذ انتقل من 110 إلى 300 نقطة بنسبة 273% مما أدى إلى حدوث أزمة حقيقية بخسارة المستثمرين لعملياتهم في الأسواق المالية بحوالي 200 مليار دولار، وإفلاس حوالي 3500 بنك في يوم واحد، وبالتالي أدت هذه الأزمة إلى زعزعة الاستقرار النسبي في النظام الرأسمالي بكامله وكانت مرتبطة بالأزمات الاقتصادية الدورية وكذلك فإنها استمرت لفترة طويلة حيث أثرت هذه الأزمة على الودائع، والتي أدت إلى انخفاض الودائع لدى البنوك في الولايات المتحدة لتصل إلى 33% وكذلك انخفاض مستويات أسعار الفائدة والتقلبات الحادة في أسعار صرف العملات(٢٠).
ب- أزمة الثمانينيات
خلال فترة الثمانينيات حدثت أزمتين متتاليتين هما أزمة 1987 و1989 ويعود السبب الرئيسي لنشوئهما هو التغيير في الأسعار في أسواق رأس المال الناتجة عن اختلال التوازن بين العرض والطلب، حيث سميت أزمة 1987 ب(أزمة الإثنين الأسود) حيث تعرضت بورصة وول ستريت بنيويورك في 19 أكتوبر 1987 إلى انخفاضات متتالية في أسعار تداولاتها المالية مصاحبة لاندفاع المستثمرين إلى بيع الأسهم مما أدى إلى انخفاض مؤشر داو جونز بمقدار 508 نقطة في يوم واحد، مما أثر على البورصات العالمية الأخرى وكانت الخسائر كبيرة, ففي بورصة نيويورك سجل انخفاض قدره 800 مليون دولار بنسبة 26% وبورصة لندن 22% وطوكيو17%، حيث اعتبر هذا اليوم أسوأ يوم في التداول لمدة قرن على الأقل، وقد اختلفت الآراء حول تحديد البلد الذي بدأت منه بوادر الأزمة حيث ساد الادعاء بأن الأزمة كان مصدرها أسواق الأوراق المالية في الولايات المتحدة ثم انتشرت إلى باقي الأسواق في العالم, بينما يرى البعض الأخر أنه حدث العكس، حيث ظهرت الأزمة في الأسواق الآسيوية تبعتها الأسواق الأوروبية ثم أسواق الولايات المتحدة، وأثرت الأزمة المالية في حدوث جملة من التغيرات الاقتصادية الهامة في معدلات نمو الناتج القومي الحقيقي, الذي انخفض بسبب التغيرات في أسعار الفائدة والذي نجم عنه تقلص في حجم الاستثمارات، ثم انخفاض معدلات نمو التجارة الدولية إبتداءاً من سنة 1985 بسبب تزايد أعباء خدمة القروض العامة في البلدان النامية، والتي اضطرت إلى اتخاذ سياسات ترمي إلى الحد من وارداتها(٢١).
إن حدوث هذا الانهيار الكبير في الأسواق الأمريكية كان أمرا متوقعا حسب بعض الخبراء، فقد شهدت الأيام التي سبقت انهيار الأسواق المالية انخفاضا كبيرا في نسبة الاستثمار في الأوراق المالية، حيث بلغت نسبة الاستثمار في الأسهم حوالي 60% وانخفضت هذه النسبة إلى 26% كما شهدت بعض الأسواق الأوروبية هبوطا في الأسعار، شانها شان الأسواق الأسيوية.
أما بالنسبة للازمة الثانية التي حدثت في 1989، كان سببها الإعلان الذي قامت به الحكومة الأمريكية عن رفع أسعار الجملة والتجزئة بنسبة 9%,5% على التوالي، مع امتناع البنك المركزي الأمريكي عن تخفيض أسعار الفائدة, الأمر الذي أدى إلى انخفاض مؤشر داو جونز بنسبة 190 نقطة، أي بمقدار 7%، وفي طوكيو فقد مؤشر نيكاي 670 نقطة، وان هذه الأزمة تختلف عن أزمة 1987، تحسن الظروف الاقتصادية وعدم توافر ما يدل على اقتراب حدوث الأزمة، وارتفاع عوائد الأسهم بحيث لم تكن هنالك حاجة لبيع الأسهم وكذلك اقتصار بيع الأوراق المالية على المستثمرين الصغار وبالتالي ضعف حجم العمليات وعدم تسببها في التأثير بشكل كبير على الأسعار (٢٢).
إذ يمكن التوضيح أن أزمة1987 تختلف عن أزمة 1989 في أن إسراع المستثمرين في عام 1987 إلى بيع أسهمهم تسبب فعلا في انخفاض الأسعار، أما عام 1989 فضل المستثمرين عدم الاستعجال بالبيع، مما ساعد على تهدئة الأسواق والحد من انخفاض الأسعار، وكذلك فإن تسارع الحكومة للتدخل في أزمة 1989 لإيقاف الأزمة، عن طريق مواجهة عمليات البيع المتزايدة بحجم كبير جدا من السيولة الأمر الذي أدى إلى احتواء الأزمة.
ج- الأزمة المكسيكية 1994-1995
يرتبط الاقتصاد المكسيكي ارتباطا وثيقا باقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية ويعتمد على الزراعة والتعدين واستخراج النفط، حيث إن الأزمة حدثت نتيجة الانطلاق نحو تطوير القطاع الصناعي، وبذلك أعطت الحكومة قرارات إلى خفض قيمة العملة وتوصية النشاط الاقتصادي من أجل دفع الدين والعمل على ترتيب وضع الموازنة بهدف التخلص من الديون العامة، وكان أثر ذلك تخفيض الطلب الخارجي وإعطاء الأفضلية للصادرات في النمو الاقتصادي، وقد أدى الخفض التنافسي للعملية إلى نمو للصادرات، ولكن الثمن العكسي كان التضخم، وقد أدى التضخم إلى ارتفاع فاحش في معدلات الفائدة وزيادة فوائد الدين العام، وأن ارتفاع أسعار الفائدة أدى إلى تدفق رؤوس الأموال من اجل شراء العقارات والقيم المنقولة، وقد أدى هذا الأمر إلى خلق عجز في ميزان المدفوعات وتوسع الائتمان المصرفي.
حيث ساعدت عوامل عدة إلى تضافر الأزمة من أهمها حدوث توسع نقدي بدرجة أدى إلى ارتفاع الضغوط التضخمية وكذلك اعتمادها على القروض المقومة بالدولارات واتباعها لنظام صرف غير مرن جعلها عرضة لمخاطر الصدمات الخارجية، والعجز في الميزان التجاري والخسارة في الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية والمضاربة على العملة(٢٣).
كل هذه العوامل وغيرها ساعدت وساهمت في انتشار هذه الأزمة، مما جعلها تتسم بأنها أزمة مالية قوية أثرت ليس فقط على الاقتصاد المكسيكي وإنما امتد أثرها أيضا ليشمل الدول العربية والدول النامية بصورة خاصة.
ح- أزمة الرهن العقاري
واجه الاقتصاد الأمريكي أزمة مالية حقيقية، عصفت بالأسواق المالية الدولية، والوطنية، وأثرت على البنوك، والمؤسسات المالية، بصفة خاصة، وبشكل لم يسبق له مثيل منذ أزمة 1929، إذ تعود بداية الأزمة إلى آب2007 عبر ما يسمى بـ ((أزمة الرهن العقاري)) والقرض السيئة ذي الفائدة القابلة للتغيير، حين توسعت المؤسسات المالية الأمريكية في منح القروض السكنية لعدد كبير من الأفراد لتمويل شراء سكن، وارتفع معدل التمليك السكني في الولايات المتحدة من 64% سنة 1996 إلى 69.2 % سنة 2004 وتم تشجيع هذه العملية من قبل الحكومة الأمريكية، ومع توسع البنوك والمؤسسات المالية في نسب التمويل العقاري دون ضمانات كافية ذلك أثر سلبا على قدرتها المالية رغم محاولاتها الاقتراض من بنوك أخرى عبر السوق النقدية ورفضها إقراضها، وتدخل البنوك المركزية في تقديم مليارات الدولارات كقروض للبنوك، إلا أن اتساع رقعت البنوك التي تعاني من عجز السيولة النقدية أدى إلى ظهور حالات الإفلاس، حيث امتد تأثير الأزمة إلى الأسواق والمؤسسات الأساسية في النظام المالي بعد ارتفاع حالات التعثر في السداد في سوق الرهن العقارية العالية الخطورة في سياق عملية تصحيح رئيسية تشهدها سوق المساكن في أمريكا، حيث قامت المصارف وشركات العقار ببيع الديون إلى شركات التوريق التي أصدرت سندات قابلة للتداول في أسواق البورصة العالمية(٢٤).
إن أزمة الرهن العقاري تحولت إلى أزمة مالية عالمية مع اتساع انهيار سوق الرهن العقاري، وبالنظر إلى التطورات في عصر العولمة وانفتاح الأسواق المالية أثرت الأزمة لتنتقل إلى معظم الأسواق المالية العالمية ومع توجه الأزمة إلى المزيد من الانكماش في مجال الائتمان العقاري، أصاب الركود سوق العقارات في العديد من الدول الأوروبية، حيث أن ظهور الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمر الذي ينعكس على صادرات البلدان الأخرى وعلى أسواقها المالية (٢٥).
قائمة المراجع:
١- Golan, M, Treatment in Crisis Situations, U.S.A, The free press, 1978, p(61).
٢- Timothy Wilkin ,Crisis Dinger& opportunity, Un commonsense Library volume,2001,P(4).
٣- ياسين ألجحري، الأزمة المالية العالمية، مؤسسة العروة الوثقى، لبنان، 2010، ص 14.
٤- Robison, J.A, ((crisis. In D. Lsis(ED).International encyclopedia of the social sciences)),voli3,NewYork,1968,P(510).
٥- Hornby, A.S cowie, A.P& Gimson, A.C,((oxford advanced learners dictionary of currentEnglish)),oxforduniversitypress,London,1984,P(204).
٦- مساعد مرابط، الأزمة المالية العالمية 2008( الجذور والتداعيات)، الملتقى العلمي الدولي لكلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، جامعة فرحات عباس، الجزائر، 2009، ص2.
٧- نزهان محمد سهو، الأزمة المالية العالمية الراهنة ( المفهوم- الأسباب- التداعيات)، مجلة الإدارة والاقتصاد، جامعة المستنصرية، ع83، 2010، ص258.
٨- سمير عباس، علاء الدين محمود، الأزمة المالية العالمية (جذورها وأسبابها وتأثيرها على عدد من الأسواق العربية، مجلة كلية التربية الأساسية، الجامعة المستنصرية، مج 18، ع 76، 2012، ص731.
٩- كمال زريق، عبد السلام عقون، سياسات إدارة الأزمة المالية العالمية، ط1، مكتبة المجتمع العربي للنشر والتوزيع، عمان، 2011، ص20.
١٠- موسى اللوزي وآخرون، الأزمة المالية العالمية والأفاق المستقبلية (الجزء الثاني)، ط1، مكتبة المجتمع العربي للنشر والتوزيع، عمان، 2011، ص28 .
١١- كمال زريق، عبد السلام عقون، مصدر سابق، ص25.
١٢- عمر يوسف، الأزمة المالية المعاصرة ( تقدير اقتصادي إسلامي)، اربد عالم الحديث للنشر والتوزيع، بيروت، 2010، ص 24.
١٣- العقون، نادية، العولمة الاقتصادية والأزمات المالية (الوقاية والعلاج)، أطروحة دكتوراه في العلوم الاقتصادية، جامعة الحاج لخضر، باتنة، الجزائر، 2012، ص7.
١٤- نادية العقون،مصدر سابق، ص11.
١٥- كمال زريق، عبد السلام عقون، مصدر سابق، ص29.
١٦- نادية العقون، مصدر سابق، ص16.
١٧- طالب عوض، أثر التقلبات المالية الدولية على أسواق الدول النامية، المرصد الإقتصادي، الجامعة الأردنية، 2009، ص4.
١٨- موسى اللوزي وآخرون، مصدر سابق، ص32-33.
١٩- عبد الصمد سعدون، إدارة الأزمات المالية في اقتصاديات متقلبة(نموذج دول مجلس التعاون الخليجي)، مجلة بغداد للعلوم الاقتصادية الجامعة، ع35، 2013، ص28.
٢٠- عبد الرزاق الفارس، الأزمة المالية العالمية ( الأسباب والتداعيات والحلول)، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، ط1، الإمارات، 2010، ص 176- 179.
٢١- عمر يوسف، مصدر سابق، ص25- 26.
٢٢- عبد الرزاق فارس، مصدر سابق، ص181- 182.
٢٣- سلطان جاسم النصراوي، تأثير الأزمة المالية العالمية في الأسواق المالية العربية، رسالة ماجستير في العلوم الاقتصادية مقدمة إلى جامعة الكوفة، 2010، ص47-48.
٢٤- فريد كورتل، الأزمة المالية العالمية وأثرها على الاقتصادات العربية، مجلة أبحاث روسيكادا الدولية العالمية المحكمة، جامعة سكيكدة، الجزائر، 2008، ص 8-9.
٢٥- محمد الهاشمي حجاج، أثر الأزمة المالية العالمية على أداء الأسواق المالية العربية، رسالة ماجستير في علوم التسيير، جامعة قاصدي مرباح ورقلة،2011، ص 140- 142.
* المرجع الرئيسي: إدارة المتغيرات الكليةّ في ظل الأزمات الاقتصادية - العراق حالة دراسية للمدة (1990-2013)م، رسالة ماجستير مقدمة من الطالبة نوف علي عواد الشمري، إلى مجلس كلية الإدارة والاقتصاد - جامعة كربلاء وهي جزء من متطلبات نيل درجة الماجستير في العلوم الاقتصادية، ٢٠١٥.