بحث جاهز حول التقويم التربوي
وردت في القرآن الكريم كلمة التقويم مرة واحدة في سورة التين الآية (٤) قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَنَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) صدق الله العظيم(١).
المعنى اللغوي للتقويم: توجد كلمتان تدلان أو تفيدان بيان قيمة الشيء هما تقويم وتقييم والمصطلح الأول صحيح لغوياً يراد منه معانٍ عدة منها بيان قيمة الشيء (تثمينه)(٢). ويعني أيضا من قوم أي صحح وأزال الاعوجاج، وقوم السلعة بمعنى سعرها، والتقويم أدق وأشمل من التقييم.
أما معنى التقويم اصطلاحا: يقصد به القدرة على الحكم على قيمة الشيء أو المادة لغرض معين وهذه الأحكام يجب أن تبنى على محاور محددة. محاور داخلية (التنظيم) أو محاور خارجية (مناسبة المادة للهدف)(٣).
يُعدُّ التقويم عملية لازمة لأي مجال من محاور الحياة وهو جزء من العملية التربوية، يحدد مدى تحقيق الأهداف وتحديد نقاط الضعف والقوة في مختلف جوانب المواقف التعليمية بهدف تطوير وتحسين عملية التعلم.
إن التقدم في مجال التربية والتعليم أصبح من الضروري اعتماد محاور لقياس النتائج التربوية من أجل النهوض والتطور في مجال التربية والتعليم. ودخل التقويم للتربية بشكله النظامي والشمولي منذ بداية القرن العشرين لكون التربية منظومة اجتماعية إدارية رسمية لها أهدافها ولها بيانات عمل لا تختلف كثيراً عن الأنظمة الأخرى، فدخل في مجال تقويم الطالب والمعلم والمنهج والإدارة والأبنية كل الأنشطة الداخلة في مجال التربية والتعليم كلها. "إن التقويم يساعدنا على تقدير فاعلية التدريس وأثره، ويجعلنا نشك في قيمة المناهج التعليمية، والمواد الدراسية والوسائل التعليمية مما قد يدفعنا لأن نقوم بالتعديل والمراجعة أو رفضها بصفتها عديمة الجدوى"(٤).
أهمية التقويم التربوي
تكمن اهمية التقويم في دراسة مدى نجاح الأهداف والوسائل والأساليب المستعملة، من أجل إعطاء القائمين على البرنامج صورة عملية متممة ومكملة لعمليتي التخطيط والتنفيذ، بهدف الكشف عن مدى القرب والبعد عن هذه الأهداف، حتى نكون على بصيرة بمدى النجاح الذي تحقق. ويتضمن ذلك وزن قيمة الأنشطة التي تخطط وتنفذ، وإصلاح ما بها من ضعف وتحسينها لزيادة فعاليتها(٥).
خصائص التقويم التربوي
يتصف البرنامج التقويمي الناجح بعدد من الخصائص والسمات تتلخص في الآتي(٦):
- لا ينبغي أن يقتصر التقويم على جانب من دون بقية الجوانب الأخرى، فمثلا في التربية الرياضية لا ينبغي أن يهتم التقويم بالجوانب البدنية والمهارية ويتجاهل الجوانب النفسية والاجتماعية والمعرفية. فهو شامل متكامل.
- يجب أن يتسق برنامج التقويم مع أهداف المنهج ويعبر عنها، إذ ينبغي أن يقوم الطلبة سلوكيا من منظور الأهداف والأغراض التعليمية والقيم المتضمنة بها. فأهداف المنهج وتحقيقها تصبح الهدف من الأنشطة وتقويمها.
- يجب أن تنظم عملية التقويم وتجمع نتائجها بحيث يصبح تفسيرها ذا مغزى مفيد في الإصلاح والتحسين والتطوير للأفضل. أي أنها تتحول إلى تكميم يمكن الحكم من خلالها على الأرقام التي وصلنا إليها في التقويم.
- الشمولية والتنويع والاستمرارية والعملية والمرونة والاتساق والإنسانية والواقعية، فضلاً عن إن عملية التقويم متعددة المراحل والخطوات المتسلسلة(٧).
أهداف التقويم التربوي
هنالك أهداف عديدة للتقويم ومن خلال قراءات الباحث وجد أن هذه الأهداف يمكن أن تكون أهداف علمية بحتة إذا ما تم تطبيقها بصورة صحيحة وأن من أبرز أهداف التقويم هي(٨):
- التنبؤ بنتائج التقويم النهائي.
- إثارة الدافعية للمتعلمين نحو التعليم.
- تنظيم التعليم لديهم وتحفيز رغباتهم العلمية الهادفة.
- تشخيص الصعوبات لديهم من لدن المدرس أو الموجه التربوي(المشرف).
- تعزيز التمكن لديهم، فضلاً عن توفر تغذية راجعة للمدرس والمتعلم.
- التعلم لحد الإتقان لاسيما بمجال الكفايات العلمية والمهارية والأدائية للمدرس.
وظائف التقويم في العملية التدريسية
ان العملية التقويمية والعملية التدريسية متكاملتان وتهدفان الى اثراء المجالات التدريسية المختلفة، وتسهمان في تحقيق الأهداف والمستويات التربوية المرجوة. علماً ان الادوار المتعددة للتقويم يكمل بعضها البعض، وتخدم وظائف متنوعة في العملية التدريسية، ويمكن ايجاز اهم الوظائف للتقويم كالاتي(٩):
- التشخيص.
- استثارة الدافعية.
- تعزيز التقويم الذاتي.
- مصدر للتعلم.
- زيادة فاعلية التدريس.
أنواع التقويم التربوي المعاصر
التقويم بالمفهوم الحديث هو ((عملية تتبع ورصد لعملية التعلم، بقصد ملاحظة ما يطرأ على سلوك المتعلمين وقياس هذا التغيير ومعالجة نواحي القصور وتعديل الأساليب والمناهج والطرق، كلما كان ضرورياً)). وتبعاً لهذا التعريف فالتقويم يشمل ثلاثة أشكال أو أنـواع:
١- التقويم القبلي: وهو ما يسمى بالتمهيد أو الاستثارة للدرس الجديد وربطه بالدرس السابق ويشمل عدد من البنود والمهارات تهدف إلى التأكد من أ أن التلاميذ قادرون على السير في الدرس الجديد للتحقق مما لدى المتعلمين من خبرات تكون أساساً للدرس الحالي أو تحديد وقياس الخبرات والمعلومات والمهارات التي ستبنى عليها حقائق الدرس الجديد.
٢- التقويم التكويني: ويسمى (تقويم مرحلي أو بنائي) ويتم بعد إنجاز المعلم المجموعـة مـن الأنشطة التعليمية المتعلقة بهدف أو أهداف الدرس، إذ يجد نفسه أمام سؤالين:
أ ـ هل استطعنا تحقيق الأهداف كما رسم لها أو الهدف كما رسم له ؟
ب- إلى أي مدى تحقق ذلك الإنجاز ؟
فوظيفة التقويم التكويني تتحدد في مدى تحقق الأهداف من جهة، كما يكشـف عـن النقص والقصور في الأنشطة أو الطرق أو الوسائل أو الخيرات أو جهة الخلل وهو بمثابة تغذية راجعة تعزز التعليم الصحيح، وتصحيح الخاطئ وبدونه لا يمكن أن تتحسن الخبرة التربوية والنتائج التربوية لأداء المتعلمين وهذا يتفق مع تعريف بلوم للتقويم التكويني في أنه "تقويـم منظم لعملية بناء المنهج والتدريس والتعلم بهدف تحسين أي من هذه العمليات"(١٠)
٣- التقويم النهائي (أو البعـدي): ويشمل قياس مدى قدرة المتعلم على تحقيق الأهداف المرجوة من خلال التقويم سواء خلال حصة أو فصل دراسي أو مرحلة على أن يشمل:
- قياس أهداف الدرس وفق المستويات المحددة لها.
- شمولية أهم الأهداف أو الهدف الذي يحقق معظم الأهداف.
- مراعاة تحديد المستوى الذي قامت الأنشطة في الدرس على تحقيقه.
على أن يحقق التقويم النهائي إجابة على هذه الأسئلة:
- ماذا أتوقع أن يكون المتعلم قادراً على القيام به ؟
- كيف يمكن أن يبين المتعلم أنه قد تعلم فعلاً ؟
- ما مستوى أداء المتعلم المقبول كدليل على تعلمه ؟(١١)
مكونات التقويم وخطواتها الأدائية
مهمة التقويم التربوي مركبة، تشتمل على عدد من العمليات أو المهمات الفرعية المترابطة والمتكاملة ويمكن تحليلها من خلال الخطوات الإجرائية الآتية(١٢):
- تحديد المحاور للجانب المراد تقويمه.
- تحديد الأدوات اللازمة أو أعدادها، لجمع المعلومات والبيانات المناسبة المتصلة بالجانب المستهدف وبيان وجهة استعمال كل منها وجمع المعلومات باستخدام الأدوات المناسبة، وبواسطة أشخاص مدربين.
- تحليل البيانات الخام بطرق تضمن الحصول على صورة موضوعية وواضحة عن الموقف، أو الواقع أو الجانب الذي يجري تقويمه.
- تفسير النتائج التي تم الحصول عليها من خلال التحليل الموضوعي للبيانات وفي ضوء المحاور المحددة لعملية التقويم.
- إصدار الأحكام القيمية حول مدى مطابقة أو عدم مطابقة الواقع أو الموقف الذي جرى تقويمه مع المحاور أو انحرافه عنها.
- اخذ القرارات اللازمة لأحداث التغيير أو التعديل، أو التطوير أو المزيد من عمليات التقويم.
أساليب التقويم (١٣)
توجد أساليب متعددة لتنفيذ عملية التقويم ويمكن إجمالها في ما يأتي:-
- أسلوب التقويم القائم على تقدير الحاجات الموقفية بحسب الحالة.
- أسلوب استخدام تجارب تقويمية مستخدمة في دول أو مؤسسات أخرى ومقارنة النتائج.
- أسلوب التقويم باستخدام نماذج تقويم موضوعة وجاهزة.
أسس التقويم (١٤)
يبنى التقويم على الأسس التالية:
- الشمول
- الاستمرارية
- التكامل
- التعـاون
- التناسـق مع الأهـداف
- الاقتصاد (في الوقت والجهد والمال)
- البناء على أساس علمي
قائمة المراجع:
١- القرآن الكريم: سورة التين، الآية (٤).
٢- نعيم الرشدان: المدخل إلى التربية والتعليم، عمان، الأردن، ٢٠٠٢، ص ٣١٨.
٣- ماجد الخياط: أساسيات القياس والتقويم في التربية، دار الراية للنشر والتوزيع، عمان ٢٠٠٩، ص ٣٥.
٤- مصطفى محمد الأمام وآخرون: القياس والتقويم، وزارة التربية، بغداد ٢٠٠٠، ص ٥٦.
٥- تماضر محمود جمال: تقويم أداء مشرفي التربية الإسلامية في المرحلة الابتدائية في ضوء كفاياتهم، رسالة ماجستير بغداد/ المعهد العربي العالي للدراسات التربوية والنفسية، ٢٠٠٦، ص ٤٠.
٦- أمين أنور الخولي وجمال الدين الشافعي: مناهج التربية البدنية المعاصرة، دار الفكر العربي، القاهرة، ٢٠٠٠، ص ٤٨٣-٤٨٥.
٧- علي أحمد مذكور: مناهج التربية اساسها وتطبيقاتها، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر، ٢٠٠٠، ص ٤٢٠.
٨- عذراء عزيز الزبيدي: أثر استخدام أسلوبي التقويم التكويني وأسئلة التحضير القبلية في تحصيل طلبة كلية التربية الأساسية في مادة الجغرافية، الجامعة المستنصرية / كلية التربية الأساسية، رسالة ماجستير غير منشورة، ٢٠٠٤، ص ٢١-٢٤.
٩- صلاح الدين محمود علام: القياس والتقويم التربوي في العملية التدريسية، ط٢، الأردن، عمان، دار الميسرة للنشر والتوزيع والطباعة، ٢٠٠٩، ص ٣٩-٤٠.
١٠- إسماعيل الملحم، التقويم أثناء الحصة الدراسية، مجلة التربية، قطر، عدد ١٨، ١٩٩٦، ص ١٤٨.
١١- إسماعيل الملحم، التقويم أثناء الحصة الدراسية، مرجع سابق، ص ١٤٩-١٥٤.
١٢- ماجد الخياط: أساسيات القياس والتقويم في التربية، دار الراية للنشر والتوزيع: عمان ٢٠٠٩، ص ٣٦.
١٣- سعيد جاسم الاسدي وداود عبد السلام صبري: فلسفة التقويم التربوي، ط١، عمان، دار صفاء، ٢٠١٥، ص ٣٣.
١٤- حلمي احمد الوكيل ومحمد أمين المفتي: المناهج المفهوم، العناصر الأسس، التنظيمات، التطوير، القاهرة، مكتبة الانجلو المصرية ، ٢٠١٣، ص ١٤٢.