أبن طفيل، حياته، وفلسفته

أبن طفيل، حياته، وفلسفته

حياته: ولد أبو بكر محمد بن عبد الملك الملقب بأبن طفيل والمتصل نسبه بقبيلة قيس العربية في اوائل القرن الثاني عشر للميلاد / السادس الهجري في قرية صغيرة تدعى (وادي آش) وتوفي سنة (٥٨١هـ/ ١١٨٥م).

وأنه وضع العلم والحكمة على أبي بكر بن الصائغ وأن أنكر ابن طفيل التقائه ابن باجه الاّ من خلال كتبه الاّ أنه من غير شك كان متأثراًُ به من الناحية الفلسفية كما أن ابن طفيل كان مطلعاً على كتب الفارابي وأبن سينا والغزالي وقد وجه النقد إليهم في مقدمة (حي بن يقظان) وشأنه شأن فلاسفة الإسلام وموسوعيتهم العلمية لذلك اشتهر بالطب والرياضيات والشعر.

ابن طفيل


وشغل منصب كاتم أسرار حاكم غرناطة ثم صار وزيراً وطبيباً للأمير أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن وهو الذي قدم (ابن رشد) إلى الأمير حكيم الأندلس، وكان الأمير قد طلب منه أن يرشده إلى خبير بمؤلفات أرسطو ليفسرها فطلب ابن طفيل من أبن رشد أن يقوم بهذا العمل قائلاً له (أنك أقوى مني عزماً، فعليك بكتب أرسطو لأني أعرف سمو عقلك ووضوح فكرك وتجلدك، أما أنا فإن كبر سني وأنشغالي بخدمة أمير المؤمنين وصرف عنايتي كل ذلك يمنعني من الأقدام على هذا الأمر). كتب عنه الكثير من السابقين واللاحقين. (١)


اقرأ أيضا: ابن رشد، حياته وفلسفته


مؤلفات ابن طفيل


يذكر المؤرخون أن لابن طفيل مؤلفات كثيرة في نواحي متعددة، ومن أبرز هذه المؤلفات: (٢)


  1. مراجعات ومباحث في الطب بين ابن طفيل وابن رشد
  2. أرجوزة في الطب.
  3. رساله في النفس.
  4. مقاله في الجغرافيا في البقاع المأهولة.
  5. بعض القصائد الصوفية.
  6. رسالة حي بن يقظان.


ولم يصلنا من مؤلفات ابن طفيل سوي رسالة حي بن يقظان، هذه الرسالة التي واجه فيها ابن طفيل كل مشكلات الفلسفة الإسلامية بصراحة ووضوح وعمق وبساطة، وفي هذه الرسالة يبين ابن طفيل كيف يستطيع الإنسان دون معونة من الخارج أن يتوصل إلى معرفة العالم العلوي، ويهتدي إلى معرفة الله وخلود النفس، أنها تنبئ عن تطور عقل متفكر من التحسس في الظلام إلى أعلى ذروة في النظر الفلسفي.


ابن طفيل وخصائصه الفلسفية


حاول ابن طفيل أن يطلع على الناس بنظام فلسفي يتدرج فيه خطوة خطوة، ولكنه سرعان ما وجه اهتمامه لناحية واحدة من الفلسفة، حيث عكف على بحث النشوء الطبيعي وتطور التفكير في الإنسان، وبيان كيفية تدرج الإنسان بالتأمل والتفكر في المعرفة من الاحاطة بما حوله من عالم المادة حتى يستطيع أن يتصل، من طريق العقل، بالله، ولكن ابن طفيل بعد أن حاول تطبيق هذه النظرية على ذاته عجز عن الاتصال بالله عن طريق العقل، فانقلب الى التصوف والزهد ليعرف بهما الله.


ومن الملاحظ أن ابن طفيل قد أعجب بالحكمة المشرقية التي ذكرها وبشر فيها ابن سينا في كتابه د حي بن يقظان، فاعتمد أسلوبه العقلاني في توضیح معالم حكمته العقلانية، وكذلك اهتم ابن طفيل بما قدمه ابن باجة من أفكار عرفانية، ووافقه على أن العامة خطر على الرجل الفائق الفطرة.


وكان ابن باجه يحاول نفعهم ما أمكن، أما ابن طفيل فنفض يده من امكان اصلاحهم.


ومن الواضح أن ابن طفيل قد حاول أن يعرف كل الأمور بواسطة العالم المادي وعالم العلل والأسباب بالعقل، غير أنه عجز عن ذلك عندما أراد البرهان على وجود الله فمارس التصوف وعرف الله من طريق القلب.


ومما لا شك فيه أن ابن طفيل كان متعمقا في علم الطبيعة، وفي المعارف الحياتية على الأخص. ويستدل من رسالة حي بن يقظان أنه اطلع على أكثر ما تركه اليونان والعرب من الآثار الفلسفية اطلاع بصير ناقد سبر أعماق الحقائق الكامنة ورام المعارف العقلانية.


ولقد أثبت ابن طفيل قدرته على الموازنة بين الأفكار والمفاضلة بينها، باعتباره من كبار أهل الحق والعلم والأدب، ورغم أن فلسفته كانت تنطلق من المادة فقد كان من أصحاب الدين، والتصوف، والتقوى.


ويتصف أسلوب ابن طفيل بالرقة والسلاسة ودقة الملاحظة، وحسن السبك والتعبير، اتخذ كغيره من الفلاسفة الرمز والاشارة أسلوبا لتجسيد ما يتفاعل في أعماقه من آراء وأفكار، ذلك لأن «التحكم بالألفاظ» على أمر ليس من شأنه أن يلفظ به، خطر. (٣)


أبن طفيل وحقيقة حي بن يقظان


تعددت نصوص (حي بن يقظان) في التراث الفلسفي العربي الإسلامي وكالاتي:


أ- تنسب إلى حنين ابن إسحاق قصة هي (سلامان وأبسال) نقلها عن اليونانية وتدور هذه القصة حول حكيم اسمه (هرمانوس) كان له ولد اسماه (سلامان) وطلب له مرضعة أسماها (أبسال) ولما كبر الولد تعلق (بأبسال).


وتأويل هذه القصة كما يشير نصير الدين الطوسي أن (الملك) هو (العقل الفعال) (وسلامان) هو النفس الناطقة (وابسال) هو القوة البدنية، وعشق سلامان لأبسال ميلهما إلى اللذات البدنية وخلاص (سلامان) رمز لبقاء الروح بعد البدن وكناية عن عقلانية أفعال هذه النفس ومسؤولية الإنسان عنها.  


ب- وصلتنا قصة عن ابن سينا مؤادها أن (سلامان وأبسال) كانا أخوين وتأويلها أن (سلامان) مثل للنفس الناطقة (وأبسال) للعقل النظري المترقي في درجات الكمال عن طريق العرفان، وأمرأة (سلامان) القوة البدنية الأمارة بالشهوة والغضب، وأما (أبسال) فمعناه انجذاب العقل إلى عالمه.


نذكر هذا إلى جانب نص أخر وصل عن ابن سينا يحمل عنواناً صريحاً هو (قصة حي بن يقظان) وأن هذا يرمز عند ابن سينا إلى العقل الفعال وأنه يهدي الإنسان عن طريق المنطق والفلسفة إلى الوصول إلى الحقيقة العليا.


ج- وللسهروردي المتوفى (٥٨٧ هـ/ ١١٩١م) رسالة قصيرة اسمها (حي بن يقظان) او الغريبة الغربيه، وتنطوي على سياحة أخلاقية روحية يتمثل السهروردي نفسه فيها سائحاً بين مغارب الأرض ومشارقها وبين الأرض والسماء ويرى الدكتور أحمد أمين، أن السهروردي أراد من نصه هذا أن يبين المرحلة الأخيرة من رحلة الترقي عند الإنسان واتصاله بالله سبحانه وتعالى وانكشاف العالم أمامه والتغلب على العقبات المادية التي تعترضه في الحياة الفاضلة وما يعكرها من شهوات وطبائع وغرائز والتي لا يمكن التغلب عليها الاّ بجهد كبير والهام من الله.


فاذاً (حي بن يقظان) عند السهروردي من الناحية الأخلاقية هو الإنسان الذي اكتمل عقله وأرد أن يصل في فعله عن طريق الكشف والذوق إلى معرفة ربه ثم وصل إلى ذلك بعد طول عناء، لينطبع سلوكه وحركاته وسكناته بالطابع الأخلاقي المتوازن الذي تتوحد فيه ظواهر السلوك مع بواطن المرء.

  

وجميع هذه القصص ذات محتوى أخلاقي الغاية فيها الأرتقاء المعرفي السلوكي من الحس فالعقل فالمشاهدة العرفانية التي يتوحد فيها (أخلاقياً) العارف بموضوع معرفته بوسيلته العرفانية.



د- أما (حي بن يقظان) عند أبي طفيل فيمثل الإنسان نفسه باحثاً منقباً عن الحقيقة ساعياً إلى طبعها بطابعة العقلاني الأخلاقي المنشود حتى يصل إليها بنفسه فهي تمثل تطور الإنسان من بواكير حياته وهو يرتقي من البداوة إلى الحضارة متوقفاً عند المراحل التي مر بها الإنسان (حي) من صنع الملابس والسلاح للدفاع والصيد إلى اكتشاف النار مسترشداً (بيقظان) العقل، حتى يستطيع أن يصل بواسطته إلى معرفة العالم ومعرفة الله، والتصرف في ضوء تلك المعرفة بطريقة متوازنة ومسؤولة تلتقي عند الحقيقة الفلسفية والعقدية.


(وحي بن يقظان) عند أبن سينا جاء عقلاً متفلسفاً أصبح عند ابن طفيل أنساناً عاقلاً ومتصوفاً والأخير غاية السهروردي، وبهذا يكون أنسان ابن طفيل اكثر واقعية مما وصل إليه إنسان ابن سينا والسهروردي لأختلاف موضوعات الأخلاق، فاذاً نظائر هذه القصة لاتشبهها الاّ في عناوين الأشخاص وأسماؤهم بينما تخالفها في الشكل القصصي وفي الغاية الفلسفية والأخلاقية. (٤)


ملخص قصة حي بن يقظان


جعل ابن طفيل مولد حي بن يقظان في جزيرة من جزر الهند عند خط الاستواء، لأن خط الاستواء أعدل بقاع الأرض، فلا تتفاوت فيه الحرارة كثيراً بين الشتاء والصيف، وبين الليل والنهار.


ويسوق ابن طفيل تولد حي بن يقظان عن طريقتين:


  • الأولى: عن طريق الولادة الطبيعية، أي من أبوين شأن أي إنسان آخر.
  • والثانية: عن طريق النشوء الطبيعي أي من الطين مباشرة.


  1. فالطريقة الأولى: قصتها أن ملكاً شديد الأنفة والغيرة كانت له أخت ذات جمال وحسن باهر فمنعها الأزواج لأنه لم يجد لها كفواً، وكان له قريب يسمى يقظان فتزوجها سراً، ثم أنها حملت منه ووضعت طفلاً فلما خافت أن يفتضح أمرها وضعته في تابوت، وخرجت به إلى ساحل البحر، ثم قذفت به في أليم ط، فحملته الأمواج إلى جزيرة مجاورة، هذا الطفل هو "حي بن يقظان".
  2. والطريقة الثانية: أن حي بن يقظان تولد تولداً طبيعياً مرتجلاً، ذلك أن طينة في تلك الجزيرة تخمرت حتى امتزج فيها الحار بالبارد والرطب باليابس امتزاج تكافؤ، وتعادل في القوي، حتى أصبحت مستعدة لقبول الحياة، وعند ذلك تعلق بها الروح الذي هو من أمر الله - سبحانه وتعالى - ودبت فيها الحياة، وما زالت الحياة تدب في هذه الطينة المختمرة على ترتيب مخصوص حتى تخلق منها جنين ما زال ينمو ويكتمل حتى أنشق عن تلك الطينة بشراً سوياً هو "حي بن يقظان ". (٥)


سبب تأليف القصة


إن صديقاً سأل ابن طفيل شيئاً من أسرار الحكمة المشرقية التي ذكرها ابن سينا من الكشف عن حقائق «الوجود وما يراه أصحاب المشاهدة والأذواق والحضور في طور الولاية».


وقد أحب ابن طفيل أن يُحدث الناس عن الله رمزاً فيقول: «إذ لا نجد في الألفاظ الجمهورية ولا في الاصطلاحات الخاصة أسماء تدل على الشيء الذي يُشاهد به ذلك النوع من المشاهدة».


ثم ذكر أن ابن سينا بلغت به الرياضة حداً ما، حتى عَنْتُ له جلسات من نور الحق كأنها بروق تُومِضُ ثم تحمد ... وهذه الأحوال تنال من طريق الذوق لا من طريق الإدراك النظري المستخرج بالمقاييس وتقديم المقدمات وإنتاج النتائج (المنطقية).


ثم يضرِبُ ابن طفيل لنا مثلاً يُبين الفرق بين الذي يُدرك «ما بعد الطبيعة» بثاقب فكره والذي يُدرك ذلك بالكشف والمشاهدة فيقول: فتخيل حال من خُلِقَ مكفوف البصر إلا أنه جيد الفطرة، قوي الحدس ... فنشأ مذ كان في بلدة من البلدان، وما زال يتعرف أشخاص الناس بها، وكثيراً من أنواع الحيوانات والجمادات وشكل المدينة ومسالكها وديارها وأسواقها، بما له من ضروب الإدراكات الآخر حتى صار يمشي في تلك المدينة بغير وكيل ... وكان يَعْرِفُ الألوان وحدها بشرح أسمائها ..... ثم إنه - بعد أن حصل على هذه الرتبة - فُتِحَ بَصَرُه.. فمشى في تلك المدينة كلها ... فلم يجد أمراً على خلاف ما يعتقده ... غير أنه حدث له أمران عظيمان أحدهما تابع للآخر وهما:


  1. زيادة الوضوح. 
  2. واللذة العظيمة.


فحال الناظرين الذين لم يصلوا إلى طور الولاية هي حال الأعمى الأولى .... وحال النظار الذين وصلوا إلى طور الولاية ... هي الحالة الثانية.


ويجب أن نلاحظ أن الكلام هنا يتناول أهل النظر فقط، ويعني ابن طفيل بذلك أصحاب النظر الفلسفي، فإن أحد هؤلاء إذا لم يطلع بالمكاشفة على ما بعد الطبيعة كانت حاله حال الأعمى الثاقب الرأي؛ فإذا أضاف إلى ثقابة رأيه الوصول إلى طور المكاشفة كانت حاله الذي أبصر بعد أن كان أعمى.


أما العامة وغير الفلاسفة فابن طفيل لا يُشير إليهم هنا البَتَّةَ، وهُمْ لا يدخلون في حسابه. (٦)


قائمة المراجع:


١- سامي شهيد مشكور الميالي، الأخلاق عند فلاسفة المغرب العربي ابن باجه وابن طفيل ابن رشد ابن خلدون دراسة مقارنة، أطروحة دكتوراه، كلية الآداب، جامعة الكوفة، ٢٠٠٥،  ص ٨٣.


٢- د. سامية عبد العال أحمد عبد العال، مكانة العقل عند فلاسفة المغرب ابن باجة وابن طفيل نموذجا، مجلة كلية البنات الإسلامية بأسيوط - العدد الثامن عشر ( يناير ) ۲۰۲۱، ص ٤٠٣- ٤٠٤.


٣- د. مصطفى غالب، ابن طفيل، في سبيل موسوعة فلسفية، ١٩٩١، ص ١٥-١٧.


٤- سامي شهيد مشكور الميالي، مرجع سابق، ص ٨٦-٨٧.


٥- د. سامية عبد العال أحمد عبد العال، مرجع سابق، ص ٤٠٧-٤٠٨.


٦- عمر فروخ، ابن طفيل، دراسات في الأدب والعلم والفلسفة، دار لبنان للطباعة والنشر، ١٩٨٦، ص ٨٨٠-٨٨١.


مكتبة جواد
مكتبة جواد
تعليقات