بحث عن الفرزدق مع المراجع
هو همَّام بن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم التميمي البصري، الشهير بالفرزدق، يكنى بأبي فراس وهي كنية الأسد، وكان يكنى في شبابه بأبي مكِّية وهي ابنة له، وأما عن تلقيبه بالفرزدق فقد أطال الرواة في سبب ذلك ودلالته، فقال بعضهم: إنه كان قصيراً، غليظاً، فشبه بالفرزدقة، وهي الجردقة التي تدق ويشربها النساء.
وقيل: شبه وجهه وكان غليظاً جهماً بالفرزدق، وهو الرغيف الضخم، أو الخبزة وهي الفرزدقة، وقيل: بل هو القطعة من العجين التي تبسط فيخبز منها الرغيف، وزعم بعضهم أنه لقِّب بالفرزدق تشبيهاً له بدهقان الحيرة في تيهه وأبهته. (١)
نسبه
ينتمي في نسبه إلى قبيلة تميم ، فهو همام بن غالب التميمي.
أما غالب أبو الفرزدق فكان يكنى أبا الأخطل، وكان سيد بادية تميم وكان أعور.
اشتهر أبوه، وجده بالكرم ويظهر ذلك جلياً في شعره فهو يقول مفتخراً بأبيه:
نعم أبو الأضياف في المحل غالب ... إذا لبس الغادي يديه من البرد
وما كان وقافاً على الضيف محجماً ... إذا جاءه يوماً، ولا كابي الزند
فهو في هذين البيتين يفخر بأبيه، ويقول: إنه يستضيف الغادين في أشد أيام البرد، أي حين يندر الطعام ويجف الضرع ويندر المرعي.
وأن والده لا يقف أمام الضيف وهو يأكل كي لا يخجله، ولا يتوارى عنه إذا قدم، ولا يبخل عليه بما عنده.
وأمه ليلى بنت حابس أخت الأقرع بن حابس وكان له إخوة، منهم هميم بن غالب، وأخ يقال له الأخطل أسن منه، وابنه محمد بن الأخطل توجه مع الفرزدق إلى الشام فمات بها، ولا عقب له، ورثاه الفرزدق، وأخته جعثن. (٢)
مولده
كان ميلاد الفرزدق سنة خمس عشرة، أيام عمر بن الخطاب (رضى الله عنه).
ويؤيد ذلك ما روي عن الفرزدق أنه كان في خلافة عثمان بن عفان (رضي الله عنه) يهاجي شعراء قومه، وكان قومه يخشون معرة لسانه منذ يومئذ.
ومما يؤكد قوله هذا أنه عندما سئل عن سنه، قال: لا أدري لكن قذفت المحصنات في أيام عثمان. (٣)
نشأته
نشأ الفرزدق في البادية وتربي فيها، وورث أخلاقها وفضائلها القاسية. مما جعله يكون فصيحاً، ومحيطاً بأسرار العربية.
وكان الشعراء في الجاهلية من قيس وليس في الإسلام مثل حظ تميم في الشعر، وأشعر تميم جرير والفرزدق والأخطل.
وكان أشهر شعراء الإسلام عاش في الدولة الأموية، قدم به والده على علي بن أبي طالب (عليه السلام) عام الجمل (سنة ست وثلاثين) وهو شاعر، فأشار الإمام علي بن أبي طالب على أبيه أن يعلمه القرآن.
(فلما كبر الفرزدق تعلمه وهو مقيد لئلا يلهو عنه).
(وسمع الفرزدق من على، وابن عمر، وأبي هريرة وروي عنهم).
والفرزدق بالرغم من مجونه وتعلقه بالنساء، فقد كان ذا نزعة دينية حيث أجمع علماء الشعر على أن جرير والأخطل والفرزدق مقدمون على سائر شعراء الإسلام، واختلفوا في أيهم أفضل، وقد حكم مروان بن أبي حفصة بين الثلاثة بقوله: (٤)
أذهب الفرزدق بالهجاء وإنما … حلو الكلام ومره لجرير
ولقد هجا فامعن أخطل تغلب … وحوى النهي ببيانه المشهور
خصائصه
اولى خصائص الفرزدق كثرة الكلمات في ديوانه فإنها تبلغ نحو أربعين ألف كلمة، على استخراج الأستاذ الدكتور يوسف هل من فهرسته الكلمات الديوان. ولقد قال بعض النقاد: «لولا الفرزدق لذهب ثلث اللغة».
وفي كلمات الفرزدق كثير من الغريب مع فخامة وحوشية احياناً. وتراكيبه متينة بدوية تميل في بعض الأحيان إلى التعقيد والمعاظلة:
وأصبح ما في الناس إلا ملكاً … أبو أمه حيٌ أبوه يقاربهُ
الى ملك ما أمه من مُحارب … أبوه ولا كانت كليبٌ تُصاهره.
وكان البحتري يفضله لكثرة معانية، وفي شعره أبيات مقلدَةٌ (تضرب أمثالاً) وهو مقتدر على قول الشعر، ولكن في طبعه جفاء وفي شعره خشونة وصلابة وفيه إقناع - وفي ديوانه اشارات تاريخية وذكر الحوادث كثيرة، حتى قالوا: لولا الفرزدق لذهب ثلث اخبار الناس - ومع أن الفرزدق مشهور بالمقطعات فإنه طويل النفس له قصائد طوال جياد يزيد كثير منها على مائة بيت.
وقد روى ابن رشيق في العمدة أن الفرزدق كان شاعر زمانه ورئيس قومه، لم يكن في جيله أطرف منه نادرة ولا اغرب مدحاً ولا اسرع جواباً. وكان له بديهة في قول الشعر.
وربما استعصى عليه شعر فركب ناقته وطاف بها في شعاب الجبال وبطون الأودية فيعطيه الكلام قيادة. (٥)
وفاته
أصابت الفرزدق الدبيلة، فقدم به البصرة، وأتى بطبيب فسقاه قاراً أبيض، فجعل يقول: أتجعلون لي القار في الدنيا ؟ ومات وقد قارب المائة، وقيل له في مرضه الذي مات فيه: اذكر الله، فسكت طويلا ثم قال:
إِلى مَنْ تَفْزَعُونَ إِذا حَثَوْتُمْ … بِأَيْدِيكُمْ عَلَى مِنَ التُّرَابِ
ومَنْ هذا يَقُومَ لَكُمْ مَقامى … إذا ما الرَّيقُ غَصَّ بذي الشَّرَابِ
وتوفي هذا الشاعر الكبير بالبصرة في سنة نفسها جرير بأربعين يوماً، وقيل بثمانين يوماً، أنهما توفيا سنة إحدى عشرة ومائة، وبموتهما انتهى العهد الشعري العربي الأصيل، واضمحلت سمتها العربية بعده لإمتزاج الخصائص الشعرية الأصيلة بالخصائص الشعرية الوافدة، وتوفي في ۱۱۰ هـ. والله أعلم. (٦)
اقرأ أيضا: بحث حول أبو فراس الحمداني
قائمة المراجع:
١- مصطفى عصام شوقي عفيفي، الرثاء في شعر الفرزدق، رسالة ماجستير، كلية اللغة العربية، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، ١٤٣٦هـ، ص٧.
٢- إحسان عثمان محمد الطيب، بناء الجملة المركبة في شعر الفرزدق (دراسة في ضوء نظرية تشومسكي)، أطروحة دكتوراه، كلية الدراسات العليا كلية اللغة العربية، جامعة أم درمان الإسلامية، ٢٠٠٩، ص ٣-٤.
٣- المرجع السابق نفسه، ص ٤.
٤- المرجع السابق نفسه، ص ٥.
٥- عمر فروخ، شعراء البلاط الأموي جرير - الأخطل - الفرزدق، ط٢، منشورات مكتبة منيمنة - بيروت - المعرض، ١٩٥٠، ص ٢٨.
٦- سو ماردي بن آسمان، المجاز في شعر الفرزدق، رسالة ماجستير، كلية اللغة العربية، جامعة أم درمان الإسلامية، ٢٠١٢، ص ١٨.