الشاعر الجاهلي الشنفرى، من هو؟
هو ثابت بن أوس الأزدي الملقب بالشنفرى، وقيل: بل الشنفرى اسمه ومعناه عظيم الشفتين.
وذهب الرواة في نشأته مذاهب كثيرة، قال بعضهم: إنه نشأ في قومه الأزد ثم أغاظوه فهجرهم، وقال آخرون: إن بني سلامان أسروه صغيراً ثم هرب منهم، وقالت فئة ثالثة: إنه ولد في بني سلامان، وعاش رهينة عندهم مع أمه وأخيه، حتى قال يوماً لابنة مولاه: «اغسلي رأسي يا أخية»، فغاظها أن يدعوها بأخته فلطمته، وعرف الشنفرى حقيقة حياته بينهم، فأقسم لينتقمن منهم.
وذكر آخرون أن نقمة الشنفرى على بني سلامان أنهم قتلوا رجلا منهم لأنه رضي أن يزوج الشنفرى ابنته. (١)
مولده
من أصعب الأمور على دارس الأدب الجاهلي أن يحدد الزمن لكثير من الأحداث وخاصة تلك التي تبحث عن ميلاد شاعر أو عظيم من عظماء الجاهلية إلا ما ندر.
أما ميلاد شاعرنا الشنفري فأرى أنها قريبة العهد بالإسلام ذلك أن الشنفري كان على صلة بشاعر صعلوك أسلم فيما بعد وهو أبو خراش الهذلي فقد كان صديقا لشاعرنا الشنفري ومن المحتمل وأحدس (د. محمود حسن أبو ناجي) أن ميلاد الشنفري كان قريبا جدا من ظهور الإسلام إذ أن أبا خراش عمر وعاش حتى خلافة عمر بن الخطاب الذي انتهت خلافته عام ٢٤هـ وربما قتل الشنفرى في العقود الثلاثة أو الأربعة الأخيرة قبل الإسلام أي قبل الإسلام بحوالي أربعين سنة تقريبا ولا يمكن الجزم بالضبط بالسنة التي ولد فيها الشنفري لما ذكرت آنفاً. (٢)
نسب الشنفرى
وتكاد الروايات تُجمع، على أن الشنفرى قحطاني النسب، من الأزد اليمانية ..
ويستدل المستشرق (لايل) على يمانية أصله بأمرين:
الأول: أنه في تأثيثه المروية في (المفضليات) شبه السيوف بأذناب الحسيل (أولاد البقر) صوادرا، وذلك في قوله:
تراها كأذناب الحسيل صوادرا … وقد نهلت من الدماء وعلت
على حين لم يرد ذكر للبقر - عند شعراء الجاهلية - إلا في معلقة الأعشى، في معرض ذكره سوق الهدي إلى بيت الله الحرام، وذلك في قوله:
إنِّي لعمر الذي خطت مناسمُها … تحذي، وسيق إليه الباقر الغيل
والثاني: ذكره (أحاظة)، وهي اسم مكان في اليمن (وقيل: بل اسم قبيلة من اليمن، أو من الأزد في لاميته، وذلك حين يقول عن القطا:
فَعَبَّتْ غِشاشاً، ثمَّ مَرَّتْ كأَنَّها … مع الصبح ركب من (أحاظة) مُجْفِل. (٣)
لاميته
قصيدة ذات ٦٨ بيتاً، من البحر الطويل، وهي كأكثر الشعر الجاهلي، لا تقسيم فيها ولا ترتيب. يقول الأستاذ فؤاد افرام البستاني في تقييم شعر الشنفرى من خلال اللامية: «الشنفرى مثال صادق للشاعر الفطري القديم.
كان وليد القفار، أليف الأودية، عشير الضواري. فأتى شعره صورة لحياته: خشن الفكر، خشن الصورة، خشن التعبير .. ولكنه صادق في ما يقول، دقيق في ما يصور، فنان، من غير علم، في ما ينقل من حوادث حياته .. يغير في الليلة المظلمة، على قوم مطمئنين، فينهب ويعود مسرعاً رابحاً، فيهيج بخاطره الشعر، فيصور فتكه، بسرعة تعادل سرعة بطشه.
وهو ككل شاعر فطري، لا يتراجع أمام الكلام الواقعي، والصورة الحقيقية، ولو داخلنا الاشمئزاز منها اليوم. فإذا وصف شعره وأوساخه قال:
وضاف إذا همت له الريح طيرت … لبَائِدَ عن أعطافه ما تترجل
بعيد بمس الدهن والغلي عهده … له عبس عاف من الغسل محول
وعلى الجملة، فهو أحد كبار المغالين في تمثيل الحقيقة الواقعية، ومطابقة الوصف للطبيعة. فيمثل لنا الشاعر البدوي في أول عهده، ولم تمسه بعد من العمران فائدة، ولم تصقله من المدنية آداب». (٤)
أشهر قصائد الشنفرى
تعد التائية من أشهر قصائد الشنفرى التي تلامس عالميه: الإبداعي والواقعي، وترسم معالم حياة الصعاليك في العصر الجاهلي، وحين نروم قراءتها، والاقتراب من عالمها يمكن أن نقسمها إلى ثلاثة مقاطع.
المقطع الأول يمتد من البيت الأول حتى البيت الرابع عشر، ويمتد المقطع الثاني حتى البيت السابع والعشرين، والمقطع الثالث يمتد حتى نهاية القصيدة.
- أَلا أُمُّ عَمْرُو أَجْمَعَتْ فَاسْتَقَلَّتِ … وما ودعت جيرانها إِذْ تَوَلَّتِ
- وقد سَبَقَتْنَا أَمْ عَمْرو بأمرها … وكانت بأَعْناقِ المَطِي أَظَلَّتِ
- بِعَيْنَيَّ مَا أَمْسَتْ فباتت فأصبحت … فقَضَّتْ أُمُورًا فَاستَقَلَّتْ فَوَلَّتِ
- فَوَاكَبِدَا عَلى أُمِيمَةَ بَعْدَ ما … طَمِعْتُ، فَهَبْهَا نِعْمَةَ العَيْشِ زَلَّتِ
- فيا جارتي وأنت غيرُ مُلِيمَة … إِذَا ذُكِرَتْ، ولا بِذَاتِ تَقَلْتِ
- لقد أَعْجَبَتْنِي لا سَقُوطًا قِناعُها … إِذا ما مَشَتْ، ولا بِذَاتِ تَلَفْتِ
- تَبِيتُ بُعِيد النَّوْمِ تُهْدِي غَبُوقَها … لجارتها إِذَا الهَدِيَّةُ قَلْتِ
- تَحُلُّ بِمِنْجَاةِ مِن اللَّوْمِ بَيْتَها … إِذا ما بُيُوتُ بالمَذَمَّةِ حُلَّتِ
- كأَنَّ لها في الأَرض نِسْيَا تَقُصُّهُ … على أمها، وإِنْ تُكَلِّمْكَ تَبْلَتِ
- أميمة لا يُخْزِي نَشَاهَا حَلِيلَها … إِذا ذُكِرَ النِّسْوَانُ عَفَّتْ وجَلَّتِ
- إِذا هُوَ أَمْسَى آبَ قُرَّةَ عَيْنِهِ … مآب السعيد لم يَسَلُ أَيْنَ ظَلَّتِ
- فَدَقَّتْ وجَلَّتْ واسْبَكَرَّتْ وأُكْمِلَتْ … فَلَوْ جُنَّ إِنسان من الحُسْنِ جُنَّتِ
- فَبِتْنا كَأَنَّ البَيْتَ حُجْرَ فَوْقَنَا … بِرَيْحَانِةٍ رِيحَتْ عِشاء وطُلَّتِ
- بريحانَةٍ مِن بَطْنِ حَلْيَةَ نَوَّرَتْ … لَهَا أَرَجٌ، ما حَوْلَهَا غيرُ مُسْنِتِ (٥)
وفاته
إنَّ مقتل الشنفرى إنَّما كان على يد رجال من بني سلامان، كمنوا له، حتى استطاعوا غلبته وأسره، وغالباً ما يكون أسيد بن جابر السلامي، هو الذي أوقع به هذا القتل بيديه.
كما وإن من المرجح أن يكون مقتله، قبل الهجرة النبوية بنحو سبعين عاماً، أي أن وفاته كانت في النصف الأول من القرن السادس للميلاد. (٦)
قائمة المراجع:
١- الزمخشري، الصفدي، اللامياتان لامية العرب الشفنهري لامية العجم للطغرائي، ط١، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، سوريا، ١٩٦٦، ص ج.
٢- د. محمود حسن أبو ناجي، الشنفرى شاعر الصحراء الأبي، الناشر وزارة الثقافة، الجزائر، ٢٠٠٧، ص ٢٠.
٣- مصطفى عيد الصيانة، الشنفرى الأزدي أمير الشعراء الصعاليك، ط١، دار المعراج الدولية للنشر، ١٩٩٥، ص ٤٠.
٤- لامية العرب نشيد الصحراء لشاعر الأزد الشنفرى، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان، ١٩٨٠، ص ٣٣-٣٤.
٥- عبد الحميد الحسامي، هوامش على تائية الشنفرى، دورية نقدية صادرة عن النادي الأدبي بالباحة، العدد ٢، ٢٠١٦، ص ١٥٣-١٥٤.
٦- مصطفى عيد الصيانة، مرجع سابق، ص ٥٨.