بحث عن ابن الرومي حياته وشعره
من هو ابن الرومي؟ كان يدعى علياً بن العباس بن جريح وقيل جورجيس، او جرجيس، او جرجس، مولى لعبد الله بن عيسى بن جعفر، بن المنصور بن محمد، بن عبد الله، بن عباس، بن عبد المطلب
كنيته «أبو الحسن» وربما كان «الحسن» اسماً لأكبر اولاده، اذ أن المعروف منهم محمد الأوسط، وهبة الله. (١)
ولد ابن الرومي في بغداد، وفيها قضى حياته وتوفي. وكان شديد التعلق بمدينته، يكره الخروج منها، كما يكره السفر عامة، ولو في سبيل النجاح والفوز، حتى إذا دفع إلى هجرة قصيرة المدى، كإلى مدينة (سامراء) مثلا، أخذ بالتشوق والحنين، حتى العودة إلى وطنه. (٢)
سبب تسميته بابن الرومي
لقب بابن الرومي، لأنه رومي الأصل (أي يوناني) لجهة أبيه، وفارسي لجهة أمه؛ وفي ذلك يقول:
كيف أقضي على الدنية والفر … سُ أخوالي، والروم أعمامي ؟
أما الشاعر، واسمه العباس، فقد اعتنق الإسلام، وعاش في كنف بني العباس؛ لهذا لا نعجب إذا كان الشاعر نفسه مقيماً على الولاء للعباسيين ومتعصباً لآل البيت على الرغم من اعتناقه مذهب المعتزلة، على ما ذهب إليه بعض المؤلفين، وفي هذا الولاء يقول ابن الرومي:
قومي بنو العباس حلمهم … حلمي، كذاك وجهلهم جهلي (٣)
صفاته
كان ابن الرومي ضعيف الجسم نحيلا فيه بعض الطول. ولقد تقوس ظهره لما تقدمت به السن. وكان صغير الرأس يلبس عمامة. وكان ذا لحية قصيرة ولكنها كانت (كثيفة).
وقد أدركه الشيب في رأسه ولحيته باكراً، وكذلك أدركه الصلع.
وكان ابن الرومي يكره خضاب شعره فتركه أبيض، ولكنه كان في أول الأمر يستأصل الشعرات التي تبيض ثم أضرب عن ذلك ايضاً. وكان وسخ الثوب. (٤)
تعليمه وثقافته
تثقف بثقافة عصره الشاملة: لغة، ونحوا وأدبا، وعلوما أصيلة، وعلوما دخيلة، كذلك حتى المنطق والرياضيات والطبيعيات، والنجوم والفلسفة في تشعباتها الدينية والمدنية، وما يتصل بهذه المنقولات من أساطير اليونان وحكايات الفرس ومرويات الهند الى سائر ما كانت تدور عليه فى تلك البيئة المختمرة مباحثات رجال الفكر.
وكان "ابن الرومي" يخالطهم ويساجلهم ويناقشهم، حتى نسبه "المعري" الى تعاطي الفلسفة، وقال المسعودي: "ان الشعر كان أقل أدواته". (٥)
شعره وشاعريته
قال ابن خلكان في (وفيات الأعيان): هو صاحب النظم العجيب والتوليد الغريب، يغوص على المعاني النادرة فيستخرجها من مكامنها ويبرزها في أحسن صورة، ولا يترك المعنى حتى يستوفيه الى آخره ولا يبقي فيه بقية.
وقال ابن رشيق في (العمدة): وكان ابن الرومي ضنينا بالمعاني، حريصاً عليها. يأخذ المعنى الواحد ويولده، فلا يزال يقلبه ظهراً لبطن، ويصرفه في كل وجه، والى كل ناحية حتى يميته، ويعلم أنه لا مطمع فيه لأحد. وقال أيضاً: واما ابن الرومي فأولى الناس باسم شاعر لكثرة اختراعه، وحسن افتنانه.
وجاء في الموسوعة اللبنانية: وهذا الشعر متنوع الأغراض، وإن كان يجري في الظاهر على الأنواع المصطلح عليها قديماً كالمدح، والهجاء، والرثاء، والغزل ...
إلا أنه يخالف شعراء العرب قاطبة في النظرة الفنية الى الشعر، وفي عملية إخراجه تصميماً وتأليفاً.
فليس الشعر في نظره أسلوباً من الكلام فائقاً في مدح شخص أو هجائه أو رثائه، أو في وصف حالة، أو في إبداء رأي. إنما هو التعبير عن شخصيته في متقلب صروف الحياة عليها.
يقرض الشعر كما يأكل ويشرب، وينام ويفكر، ويحدث. حاجته إليه حاجته الى التنفس والغذاء، وسائر مقومات العيش. له في نظمه وتذوقه لذة تعادل لذائذه المادية استمتاعاً حتى التهالك والاستهتار. فلا فاصل في حياته، بين اللذائذ، ولا تمايز، ولا تنسيق ... حتى ليصح القول: إن شعر ابن الرومي إنما هو شخصيته منظومة بإخلاص، وصراحة، وطبيعية. (٦)
ديوانه
يقول ابن النديم صاحب (الفهرست) المتوفى سنة ٣٨٥ هـ، أي بعد ابن الرومى بقرن من الزمان، إن شاعرنا كان له ديوان على غير الحروف رواه عنه المسيبى، ثم عمله الصولي على الحروف، وجمعه أبو الطيب وراق ابن عبدوس من جميع النسخ، فزاد على كل نسخة مما هو على الحروف وغيرها نحو ألف بيت.
وفي ابن خلكان أن الذي روى الديوان هو المتنبي لا المسيبى، وأغلب الظن أن ذلك خطأ في الطبع.
وقد تابع مؤلفا كتاب «الوسيط» ابن خلكان في الوهم أو في التحريف المطبعي، فقالا عن ابن الرومى: يكفيه فضلا أن يكون المتنبي أحد رواة ديوانه و الآخذين عنه.
ولن يكون هذا لأن المتنبى ولد بعد وفاة ابن الرومي بعقدين من السنين.
ونرى ابن الأثير وهو يؤرخ لحوادث سنة ۲۸۳هـ يذكر وفاة ابن الرومى، و يقول إن ديوانه معروف.
أي أن ديوان شاعرنا كان متداولا بين الناس في الثلث الأول من القرن السابع الهجرى.
ويذكر لنا صاحب «كشف الظنون» أن الشيخ الرئيس ابن سينا انتخب ديوان ابن الرومى وشرح مشكلات شعره.
ويروى لنا مؤلف «الغدير» أن ابن سينا قال: مما كلفني أستاذي في الأدب حفظ ديوان ابن الرومي، فحفظته مع عدة كتب في ستة أيام ونصف يوم. (٧)
وفاته
مات ابن الرومي مسموماً. سمه القاسم بن عبيد الله الوهبي وزير المعتضد، فكان يخاف هجو الشاعر وسلاطة لسانه فدعاه الى مائدته، ودس عليه من أطعمة (خشكنانجة)، وهي نوع من الحلواء، مسمومة. فلما أكلها أحس بالسم، فقام. فقال له الوزير: الى أين ؟ فقال: الى حيث أرسلتني. فقال له: سلم على والدي.
فقال ابن الرومي: ليست طريقي على النار.
على ان بعض الدارسين، وفي طليعتهم عباس محمود العقاد، يشكون في صحة هذه الحادثة بدليل أن عبيد الله، والد الوزير المذكور، كان لا يزال على قيد الحياة سنة وفاة الشاعر، فلا معنى لقول القاسم: سلم على والدي.
وهناك رواية لابن رشيق في «العمدة» تطلعنا على أن عبيد الله أبا القاسم هو الذي أوعز الى ولده بأن يتخلص من الشاعر لأن لسانه أطول من عقله. (٨)
قائمة المراجع:
١- د. علي شلق، إبن الرومي في الصورة والوجود، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط١، ١٩٨٢، ص ١١.
٢- جورج عبدو معتوق، ابن الرومي الشاعر المغبون، دار الكتاب اللبناني - بيروت، ١٩٧٥، ص ٦.
٣- د.فوزي عطوي، ابن الرومي شاعر الغربة النفسية، ط١، أعلام الفكر العربي، دار الفكر العربي، بيروت، ١٩٨٩، ص ٩-١٠.
٤- عمر فروخ، ابن الرومي علي بْنُ العَباس بن جريج، ط٢، منشورات مكتبة منيمنة - بيروت - المعرض، بيروت، ١٩٤٩، ص ٧-٨.
٥- صفيه عبدالقادر اسماعيل السوداني، الوصف في شعر ابن الرومي أبي أحسن علي بن العباس بن جريج الرومي ٢٢١هـ-٢٨٣هـ، رسالة ماجستير، كلية اللغة العربية، جامعة أم القرى، المملكة العربية السعودية، ١٩٨٥، ص ٢٧.
٦- جورج عبدو معتوق، مرجع سابق، ص ١٣-١٤.
٧- محمد عبد الغني حسن، إبن الرومي، نوابغ الفكر العربي، دار المعارف، مصر، ١٩٥٥، ص ٣٥.
٨- جورج عبدو معتوق، مرجع سابق، ص ١١.