الحوار السقراطي، مفهومه، تصوراته، خصائصه، صعوباته

الحوار السقراطي، مفهومه، تصوراته، خصائصه، صعوباته

تعرف الطريقة الحوارية بالطريقة المباشرة، ويطلق عليها آخرون الحوار السقراطي، لأنها استمدت معناها من طريقة الحوار التي اعتمدها الفيلسوف اليوناني سقراط، فهو أول من توصل إلى أن التعلم لا يقصد منه حشو أذهان الطلبة بالمعلومات والحقائق، بل إنه استمداد الحقائق الخالدة من العقل الذي تنطوي فيه. فكانت طريقته في التعليم: أن يحدّث طلبته ويحاورهم، فكان يسأل السؤال ويستدرج المتعلم حتى يجيب، وكان سقراط يعتقد أن التعليم لا ينحصر في الأسئلة التي يسألها، إذ ربما يستطرد إلى أسئلة أخرى متلاحقة يظهر بها جهل طلبته، أو يكشف بها غرورهم؛ بقصد دفعهم إلى اكتشاف الحقيقة بأنفسهم من خلال: التفكير، والتأمل، والتروّي، والجد في البحث، والتنقيب؛ لاستنتاج الأدلة والبراهين. (١)

الحوار السقراطي

تصورات الحوار السقراطي


ويرتكز الحوار السقراطي على تصوّرين أساسيين، هما:


أولا: المعرفة موجودة بالقوة عند المتعلم: فهي لا تأتي من خارج النفس، بل هي موجودة فيها وذلك لخلود الروح. ولا يدل عدم ظهور المعرفة عند الإنسان على عدم وجودها لديه، بل يدل على عدم تذكره لها، إلا إذا توافر للإنسان من يحاوره فيحصل عندها التذكر.


ثانيا: بناء المعرفة الجديدة على المعرفة الموجودة بالفعل عند المتعلم. فالمتعلم يتعلم الجديد بناء على المعرفة الموجودة عنده بالفعل، وذلك عن طريق: التفكر، والتأمل. (٢)


خصائص الحوار السقراطي


وقد تميزت طريقة الحوار كما استخدمها سقراط بعدد من الخصائص أهمها:


  1. الفردية: فالحوار يقوم على مناقشة المعلم لمتعلم واحد، حيث يقوم بقية المتعلمين بالاستماع إلى ما يجري في الحوار، أو يشاركون بجانب منه فيما بعد.
  2. التركيز على الفضائل الأخلاقية: فالفضائل العامة تحتل جوهر المعرفة، وأساسها، لذلك احتوت حواراته على نقاش هذه الفضائل مثل (الخير، الحق، الحكمة، الشجاعة، التقوى، الجمال)، وكان هدفه من ذلك إظهار هذه المفاهيم وبلورة تعاريف عامة لها.
  3. البحث عن تعاريف عامة للفضائل: فالتعاريف مرتبطة بالقضايا الخلقية العملية التي يواجهها الناس في حياتهم اليومية. ويرى أن البحث عن التعاريف يتم من قبل المتعلم نفسه، ودور المعلم هو توجيه المتعلم إلى اختيار صحة التعريف وبرهنته.
  4. التظاهر بالتجاهل: وهو أسلوب اعتاده سقراط في محاوراته بأن يدعي الجهل وعدم المعرفة بالأمور التي يستفسر عنها.
  5. الاستقراء: فقد استعمل سقراط التفكير الاستقرائي بشكل منظم في التربية، فكان يقود المتعلم من المعرفة الخاصة، والأمثلة المتنوعة للفضيلة إلى تعريف عام لها. (٣)
  6. الحوار بالأسئلة والأجوبة: فقد كان سقراط يقوم بدور السائل الجاهل الذي لا يعرف شيئا، أما المتعلمون فيتولون الإجابة عن الأسئلة، وخلال هذا الحوار كان يدفع بالمتعلمين إلى الشك في صلاحية ما يعتقدون من أخلاقيات وفضائل، فتنتابهم الحيرة، ويسعون معه للتوصل إلى حقائق الأشياء المطلقة، أو تعاريفها العامة.
  7. البرهنة بالدحض: تميزت أسئلة سقراط المباشرة بقيادة المعلم عن طريق أجاباته وقناعاته الذاتية إلى الاعتراف بعدم صحة حججه، وتناقضها، وقد أطلق على هذه الخاصة (الدحض والتفنيد)، وكان للدحض السقراطي صيغة منطقية خاصة تعتمد على البرهنة المنتظمة. (٤)  


صعوبات الحوار السقراطي في التدريس


صعوبات استخدام الطريقة السقراطية بشكلها الأصلي في التدريس:


لم يدّعِ سقراط أن هذه هي طريقته في التدريس، بل عدها طريقة في البحث الفلسفي الذي يقود إلى تحصيل الحكمة، لذلك كان ينتقل بالمحاور من مرحلة اعتقاده بمعرفته بالجواب الصحيح على المسألة، إلى مرحلة اعترافه بالعجز. 


وهناك عدد من الملاحظات على هذه الطريقة من الناحية التربوية، وهي:


  1. التهكم الذي يعتمده سقراط كان يهدف إلى التأثير نفسيا في محاوره؛ ليجعله يشعر بضآلة تفكيره أمام تفكير سقراط. ولا تعد هذه الخطوة مفيدة تربويا، إلا إذا أخذ جانبا واحدا منها، وهو الغاية النهائية لها، أي إثارة الرغبة في التعلم والاستعداد لتقبل المعرفة الجديدة. فالتهكم هذا يمكن أن يفضي إلى زعزعة ثقة الطلبة بأنفسهم، وظهور ميول عدوانية لديهم تجاه المدرس، والمادة الدراسية (٥)
  2. الحوار السقراطي هو حوار بين سقراط ومجموعة قليلة من المحاورين. وإذا سحب هذا الحوار على التدريس (الجمعي في الصف) حيث يتجاوز عدد المتعلمين الثلاثين متعلما في العادة، يصبح تطبيق الحوار السقراطي لمعالجة موضوع درس بكامله أمرا غاية في الصعوبة، ولو تم فمن الممكن ألا يساهم فيه إلا قلة من المتعلمين ذوي الكفايات المتميزة.
  3. أن بطء الحوار السقراطي وتعقيده وعدم وصوله إلى نهايات مرضية، تجعل منه بصيغته غير عملي أو حتى عائقا للتعلم المدرسي. (٦)
  4. يصعب على المعلم أن يخطط للحوار السقراطي لأن المفاجآت التي يمكن أن تحدث أثناء الحوار لا يمكن توقعها، فقد يكتشف المعلم الذي خطط لأسئلة حوارية، أن المعلومات الأساسية اللازمة للحوار والتي كان يفترض أنها كانت موجودة عند المتعلمين غير متوافرة لديهم. ولذلك، لا بدّ للمعلم أن يتمتع بالذكاء، وأن يكيف المادة وفق متطلبات الموقف.
  5. الحوار السقراطي أساسا يهدف إلى تنمية القدرة على التفكير، وحين لا تقيس أسئلة الامتحانات هذه القدرة، تفقد هذه الطريقة أهميتها عند المتعلمين. 


على الرغم من أن هذه الطريقة قد تنّمي القدرة على التفكير فإن المحاور الذي سلم زمام أموره إلى المعلم الذي يقوده إلى حيث يريد ، يكتشف أنه وصل إلى النتيجة، ولكنه عاجز عن التعرف على الصيغة التي أوصلته إلى هذه المعرفة، كيف حصل ذلك؟ ما الخطوات المنهجية التي أدت إلى هذه النتيجة؟ كلها أسئلة يصعب على المحاور الإجابة عنها.


وأشار بعض الباحثين إلى أن طريقة سقراط في الحوار كما وضعت في الأصل، غير صالحة للتطبيق في الوقت الحاضر بسبب التغيرات التربوية والنفسية والفلسفية السائدة الآن.


لكن يمكن الاستفادة من تكنيك الحوار السقراطي، وإقامة حوار تعليمي بنّاء يناسب التربية الراهنة. ولتحقيق ذلك أدخلت تعديلات جذرية على طريقة سقراط؛ لتوافق تدريس موضوعات مختلفة مثل: (اللغات، العلوم، الرياضيات) بالإضافة إلى الاجتماعيات التي وضعت من أجلها. (٧)


واقترح المربون عددا من المبادئ العملية للحوار التعليمي منها:


  1. اختيار التوقيت المناسب لتعليم المتعلمين بالأسئلة والأجوبة: وذلك باختيار الوقت المناسب لطرح الأسئلة وإجراء الحوار والمناقشة. (٨)
  2. توخي البساطة في الحوار، والوضوح عند عرض الآراء دون استعمال الحيرة لتعجيز الطلبة، بل لترغيب الطالب، وتشويقه للبحث، والتحاور والتعلم.
  3. عدم استهزاء المعلم بأسلوب الطالب في الحوار، أو السخرية من طريقتهم في الحديث إذا كانت غير دقيقة، أو تسفيه آرائهم إذا كانت خاطئة. وإنما عليه إصلاح أي خطأ يقعون فيه، والعمل على تخفيف التوتر النفسي الذي قد يحدثه الحوار من خلال: تقصير مدة الحوار مع الطالب، بحيث لا تتعدى الخمس دقائق، ومع أكثر من طالب بحيث لا تتعدى خمس عشرة دقيقة، وعدم تركيز الحوار طوال الدرس على طالب معين أو مجموعة من الطلبة دون غيرهم. وإنما يجب على المعلم تبادل الحوار مع أكثر عدد ممكن من الطلبة في الفصل، وإثارة الصامت، وجذب الشارد منهم؛ للمشاركة في الحوار، وإبداء الرأي في مشكلة موضوع الدرس، واستعمال المعلم لأسلوب المرح الهادف في حواره؛ كي يساعد على إثارة جو التآلف والمحبة، عوضا عن التذمر والخلاف بين المعلم وطلبته، ومساعدة الطالب من الانتقال من الحيرة وعدم المعرفة إلى جملة، أو رأي ذكره الطالب قد تساعده في الخروج من حيرته والتوصل إلى ما هو مطلوب في الموقف التعليمي.   
  4. استعمال الوسائل التعليمية، كالمسجل أثناء الحوار: فهو يسمح للطالب بتحليل إجابته والتعرف إلى مواطن الضعف والقوة، أو العودة إلى مرحلة، أو نقطة محددة في الحوار؛ لبحثها وتفصيلها أو تعلمها أكثر، وكذلك ضبط النظام داخل الفصل الدراسي طوال فترة الحوار، وتهدئة الأطراف المنفعلة، ووضع حد لتصرفات الطلبة الذين يقصدون السخرية من زملائهم، أو يهدفون إلى تشويه جو الحوار وتعطيله (٩)


اقرأ أيضا: من هو مدير المدرسة؟


اقرأ أيضا: ما هو الكتاب المدرسي؟



قائمة المراجع:


١- السامرائي، هاشم والقاعود، إبراهيم وعزيز، صبحي والمومني، محمد، طرائق التدريس العامة وتنمية التفكير، دار الأمل، إربد، ٢٠٠٠.


٢- الحصري، علي والعنزي، يوسف، طرق التدريس العامة، مكتبة الفلاح، الكويت، ٢٠٠٥.


٣- حمدان، محمد زياد، الحوار والأسئلة الصفية، دار التربية الحديثة عمان، ١٩٩٨.


٤- الحصري، علي والعنزي، يوسف،مرجع سابق. 


٥- الحصري، علي والعنزي، يوسف، مرجع سابق. 


٦- حمدان، محمد زياد، مرجع سابق. 


٧- الحصري، علي والعنزي، يوسف،مرجع سابق. 


٨- الحصري، علي والعنزي، يوسف،مرجع سابق. 


٩- حمدان، محمد زياد، طرق سائلة في التدريس الحديث، دار التربية الحديثة، عمان، ١٩٨٥.



مكتبة جواد
مكتبة جواد
تعليقات